العدّاء الإنجليزي الأصيل أكثر الخيول سرعة، بالتالي هيبة وحظوة لدى مُحبّي جياد المنافسة ومالكيها ومدربيها. لكنه، في واقع الأمر، ليس أصيلاً، بل خليط من ذرية ثلاثة فحول عربية زوّجت مع أفراس إنجليزية محلية.

في نهاية القرن الـ17، بلغ الصراع أوجه بين الدولة العثمانية وإمبراطورية النمسا والمجر وحلفائها. وحين حاصرت "قوات التحالف" بودابست، لحظ النقيب الإنجليزي بايرلي جواداً صغيراً، إنما وثّاب سريع، يتقد حيوية وذكاءً، بدا أنه زاغ عن فارسه الإنكشاري، أو ضلّ طريقه بعد مصرع الأخير أو أسره، فهامَ على خطمه.

جهز بايرلي "طلعة" للظفر بالجواد الزائغ، الذي أذاق "الكوماندوز" الإنجليز الأمرّين بسرعته وحذقه. لاحقوه أياماً، فتمكنوا من أسره، وسمّوه "بايرلي تُرك" على اسم الضابط صاحب المبادرة، ولأنهم ظنوه تركياً. واقتادوه إلى بلادهم، فأبلى حسناً على المضامير، ثمّ عُيّن كفحل تشبيب في حرائس الجيش.

وبعد أكثر من نصف قرن، أنجب ابن حفيده المهر "هيرولد"، الذي أصبح جواداً بطلاً، فلقب "الملك"، واعتُمد كواحد من مؤسسي سلالة الحصان الإنجليزي الأصيل.

وثاني الثلاثي العربي، "مانيقا" ولد في حلب، التي زارها التاجر الإنجليزي توماس دارلي أملاً باقتناء جواد سبّاق لإقحامه في منافسات بلاده. فأعجب بالجواد الوسيم، الذي أبهره بوبره الأسود اللماع ونظراته الثاقبة. أما مالكه الحلبي، فأعجب ببندقية دارلي، فتمت الصفقة: قويض الجواد لقاء البندقة، وسمي "دارلي أرابيان"، على اسم مالكه الجديد، فأحرز النصر تلو النصر. أحد أحفاده، "أكلي?س"، انتصر في سباقاته كلها، فاعتمد كثاني مؤسس للنسل الإنجليزي الأصيل.

ولم يكتمل تأسيس النسل الإنجليزي الأصيل إلا مع ذرية الرائد العربي الثالث. ففي عام 1725، أهدى ملك المغرب مولاي إسماعيل مهراً إلى نظيره الفرنسي لويس الـ15. كان الجواد موعوداً بحياة هانئة في كنف ملكي. لكنه لم يعجب الملك، فأهمله، فعمد أحد سائسيه إلى بيعه خلسة إلى بائع ماء متجول استخدمه لجرِّ عربته في شوارع باريس.

فعاش المهر الملكي مصيراً بائساً. لكن يد القدر جرت إلى باريس قدمي "جنتلمان" إنجليزي، أشفق على الجواد حين رأى بائع الماء القاسي يحرق ظهره بالسوط، فاشتراه منه كمن يعتق عبداً. فأخذه إلى لندن، فانتقل إلى ملكية الماركيز غودولفن، ما يفسر اسمه: "غودولفن أرابيان" فعزم الأخير تعيين الحصان لمنصب "مساعد" لفحل تشبيب كان يمتلكه. فالمعروف أن مربّي الخيول يلجؤون إلى حيلة لحمل الفرس الممانِعة على تقبل التشبيب، بإظهار فحل من النوع الذي تستهويه لتهدئتها، وفي آخر لحظة، يقوم الفحل الآخر بالواجب. وبعد فترة في لعب دور البديل، سئم الفحل العربي المكابر المذلة، فهاج وثار، فأفلت من يد سائسه وقتل "غريمه"، الذي كان يهمُّ بتشبيب فرس. ذهل الماركيز بما رأى، ففكر: هذا الجواد العربي له من الجموح والكبرياء ما يبشر بذرية معتبرة. فأمر سائسيه بتركه يشبب الفرس. فولد المهر "لاث"، الذي حقق نتائج مذهلة، وأنجب بدوره "ماتشم"? المؤسس الثالث للنسل الإنجليزي الأصيل.