لا تخلو علاقاتنا اليومية من التعامل مع شخص مستغل، لأن نمط الاستغلال منتشر هذه الأيام، ويرتدي أثواباً كثيرة ويتشكل في مواقف متعددة. والقاسم المشترك عند الذين يمارسونه أنّ لديهم تعريف خاص للعلاقات، فالصداقة تعني المنفعة الذاتية، والأخوة هي الاستفادة، والزمالة وسيلة لتحقيق الغايات، المستغل يُصادر وقتك ومكتسباتك، يريد شيئاً منك طوال الوقت واكتشافه صعب، لأنه يبدو لك كأقرب صديق، فهو يعرف ما الذي يُسعدك، وأين تكمن نقاط ضعفك.

  فكيف يمكن أن تمنع نفسك من الوقوع في براثن الاستغلال؟ تتحدث سارة أحمد (ربة منزل) باستغراب عن جارتها التي تعرفت إليها منذ أكثر من عام، فعلى الرغم من لطفها ومرحها ولسانها «الحلو»، إلا أنها تزورها بشكل شبه يومي هي وأطفالها، أثناء وجبة العشاء، فتضطر هي إلى دعوتها وتلبية طلبات صغارها المرهقة، إذ لا يكتفون بما على المائدة، بل يطلبون أصنافاً يتطلب إعدادها وقتاً، في حين لا تحرّك أمهم ساكناً وكأنها تجلس على طاولة مطعم، ولا تجد سارة تفسيراً لهذا التصرف من جارتها، حيث إن ظروفها المادية أفضل بكثير من حالتها، موضحة: «لا يتوقف الأمر على هذه الوجبة، وإنما ترسل خادمتها لتحضر لها من عندي أغراضاً منزلية ومواد تموينية بحجة أنها نفدت لديها، بل يصل الأمر بها إلى استعارة الملابس واكسسوارات الزينة الخاصة بي. إنني أدرك أنها تستغلني لتوفر لنفسها الكثير من المال والوقت، لكني لا أعرف كيف أضع حداً لهذه التصرفات التي تضايقني". أما أبو صلاح (محاسب) فهو في حيرة، كيف يتصرف حيال زميله وجاره الذي عقد معه اتفاقاً لتوصيل أطفاله إلى المدرسة المشتركة مع أبنائه: "قبل عامين اتفقت مع زميلي في العمل الذي يسكن إلى جواري، على التناوب في توصيل أولادنا معاً والذين يدرسون في المدرسة نفسها، تخفيفاً لكلينا من العبء اليومي، وقد بدأ الاتفاق بصورة جيدة، ولكن بعد فترة ترك لي زميلي هذه المهمة وحدي? وكل مرة كان يعتذر بحجة جديدة، عازفاً على أذني أحلى كلمات المديح عن شخصي، وكيف أنني شهم وأنني سأستمر في مساعدته? لكنني بدأت أشعر بتقييد شديد ومسؤولية يومية تجاه الأمر، خاصة أنني كثيراً ما كنت أفكر في أن أصطحب أطفالي بعد اليوم الدراسي إلى برنامج عائلي، فأجد نفسي مضطراً إلى إلغاء الفكرة، لأنني لا بد من توصيل أطفال جاري. لكن ما يزعجني حقاً، شعوري بأنني مُستغَل من هذا الزميل، لذا قررت وضع حد لهذه العلاقة قريباً". وتشكو غادة رضا (سكرتيرة)، استغلال المحيطين بها مادياً: "الجميع يعرفون أنني طيبة ولا أستطيع أن أرد أحداً يطلب مني شيئاً، لكن في الفترات الأخيرة شعرتُ بأن من حولي يقومون باستغلالي، حيث يستدينون مني أموالاً ولا يردونها لي أبداً لفترة، حتى إن بعضهم صار يشاركني سيارتي، إذ يطلبونها لمشاويرهم الخاصة بحجج متعددة، وأنا لا أستطيع صدهم". وترى غادة في سلوك بعض الأشخاص الذين يتمادون في طلب المساعدة، كثيراً من الأنانية والاستغلال، إذ إن ذلك يأتي على حساب العلاقات الإنسانية الطبيعية النقيّة. وفي هذا السياق تقدّم الدكتورة سحر محمد الحسن (مدربة التنمية البشرية)، تعريفاً للشخصية المستغلة وتُضيء الطريق لاكتشافها، وتُبيّن بعض الخطوات لتجنّب الوقوع في حبائلها:

1 - الشخص الاستغلالي إنسان مريض متلاعب بالغير، لديه الأنا عالية. والتي تصور له أنه أفضل من الغير، ولديه قناعات باطنة بأن العيش في الحياة يتطلب استغلال الغير. 2 - الشخص الاستغلالي يدفع الغير نحو ما يرغب فيه هو، حتى لو لم يكن ذلك مفيداً للغير. 3 - قد يكون الشخص الاستغلالي من المقربين من حياتك أو من ضمن البعيدين. حاول قدر الإمكان الابتعاد عن هذا الشخص وتجنبه بقدر المستطاع، لأنه يُعتبر من سارقي الطاقة الذي يسحب طاقتك ليتغذّى عليها هو، وبمرور الوقت ستكون أنت الخاسر. 4 - عند ظهور شخص استغلالي في حياتك، إعلم أنك أنت السبب، لأنك تنظر إلى نفسك أقل من الغير، وفاقد ثقتك وتقديرك لنفسك، فأنت من تسمح للشخص المستغل بأن يكون موجوداً في حياتك، لأنك تظلم نفسك لترى قيمتك في عيون الآخرين، راجع نفسك وراقبها واعمل على تطويرها، لتكون واعياً إلى المستغل، وتذكّر أنّ وجوده في حياتك رسالة لك لتعديل داخلك. 5 - تعلّم قول كلمة (لا) بلطف، ومَيّز بين الحق والإيثار، فمن حقك رفض ما لا ترغب فيه. أما الإيثار هو تقديم ما تستطيع وترغب فيه، لا تجعل مركزيتك رضا الناس، بل اجعل مركزيتك رضا الله.

6 - الكون قائم على التوازن في كل شيء، فأفضل العلاقات الإنسانية قائمة على مبدأ الأخذ والعطاء?غير ذلك يختل التوازن، وبدوره سوف يؤثر في نواحي حياتك كافّة لاختلال الطاقة.