بخلاف البهارات الأخرى، التي تُجمع من ثمار النباتات أو جذورها أو قشور شجيراتها، يُستخلص الزعفران من سِمات مِدقة زهرة بصلية بلون بنفسجي بديع من فصيلة السوسنيات. والسمات هي خيوط رفيعة في قلب الزهرة، وظيفتها استقبال اللقاح والطلح. وتلك الخيوط الرقيقة التي يصل عددها إلى ثلاثة في كل زهرة زعفران? هي ضئيلة الوزن بالقياس. مثلاً، جوزة الطِّيب التي يكفي بَرشُها للحصول على بهار الطيب بغزارة نسبية. والشيء نفسه مع جذور الزنجبيل وغيره من البهارات الجذمورية وثمرة الفلفل العنقودية، وأعواد القرفة ، وأزرار القرنفل، وحبّات الكبابة والبرَكة والقافُلة.

أما الزعفران، فيستدعي نفَساً طويلاً وصبراً جميلاً? فللحصول على كيلوغرام واحد منه، ينبغي جني 150 ألف زهرة بعناية وأناة، ما يستلزم 75 ألف شتلة بصلية، حيث لا تنتج كل شتلة سوى زهرتين في الموسم، تُقطف في أواسط تشرين ثاني.

بعدها، يتعين "تفليس" الزهرات واحدة فواحدة لنزع التويجات والأسْدِية (الأعضاء الذكرية التي تنتج الطلح)، وعددها ثلاثة أيضاً في كل زهرة زعفران. ثم يجرى تجفيف السمات ما يفاقم خفة وزنها.

ذلك العناء يبرر غلاء الزعفران، ويفسر تفشي ظاهرة غشه من جانب البعض، الذين يخلطونه بمواد مشابهة لوناً وقابلية ذوبان في الماء، لاسيّما العُصفر والكركم.

وإذ تستلزم زهرة الزعفران شمساً صيفية ساطعة لكي تترعرع، فتصير في الخريف زهرة بالغة قد أينعت وحان قطافها، فإنها تعاف الحرارة "الاشتوائية" في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.

لذا، لا تزرع في الربوع القائظة، بينما تنمو في مناطق معتدلة كجبال الأطلس المغربية ومرتفعات إيران والأناضول وبعض مرتفعات كشمير، وأيضاً شمال البحر الأبيض المتوسط: إسبانيا طبعاً واليونان وإيطاليا وجنوب فرنسا.