تدفع الظروف الحياتية والمتطلبات الاقتصادية المرأة إلى العمل بعد الزواج والانجاب? وتصبح الأم أمام تحدٍ يتمثل في التوفيق بين كيانها المهني ودورها الأمومي.

فما هي نتائج غياب الأمّ عن المنزل وآثارها السلبية في الأطفال؟

أثبتت دراسة قام بها قسم إدارة الأعمال في جامعة هارفرد عام 2015، وشملت 24 بلداً? أن هناك تأثيرات إيجابية وليس سلبية لعمل الأم خارج المنزل بعيدة عن الأطفال.

وخلصت الدراسة إلى أن بنات الأمهات العاملات هنّ أكثر نجاحاً في أعمالهن، ويجنين مالاً أكثر وينلن مراكز قيادية من قريناتهن اللواتي لا تعمل أمهاتهن. كما أن البالغين من الرجال الذين أتوا من بيوت فيها أمهات عاملات، يمضون سبع ساعات ونصف الساعة في الأسبوع في رعاية أطفالهم، ويساعدون أكثر في الأعمال المنزلية، وأغلبهم يفضلون أن تعمل زوجاتهم، لكن الآباء الذين اقتصر عمل أمهاتهم على التدبير المنزلي، أكثر ذكورية ويرفضون مساعدة زوجاتهم في الأعمال المنزلية. لكن قد تشعر الأم العاملة بالذنب حين يواجه أحد أطفالها مشكلة سلوكية وتحمّل نفسها المسؤولية الكاملة. وفي أحياناً أخرى يقوم الأبناء عن قصد باستفزاز أمهم العاملة عاطفياً ويقومون بتصرفات سيئة، ليحوزوا امتيازات أكثر، والأم بدورها قد تغدق عليهم بالهدايا كي تخفف شعورها بالذنب تجاههم، لأنها ليست حاضرة عند عودتهم من المدرسة، أو لأنها اضطرت مثلاً إلى أن تسافر خلال عطلتهم المدرسية مثلاً.

ويلعب المحيط الاجتماعي دوراً مهماً في هذا الاطار? فهو إما يُسهم في تعزيز شعور الأم العاملة بالذنب، أو يدعمها ويساندها في مسيرتها المهنية لتحقيق طموحها.

فيالحالةالأولىمثلاًعندمايلقيالزوجأووالدةالأمأوالمقربون،اللومعلىالأمالعاملةفيحالمرضأحدالأبناءولمتكنموجودة،أوفيحالتأخرأداءالأبناءالمدرسي،فهذاسيعزالأمبعقدةالذنبويدفعهاإلىالقاءاللومعلىنفسها?ممايفقدهاالثقةبنفسهاويجعلهاتدخلدوامةمنالاكتئاب.

أمّا في الحالة الثانية، عندما يكون الزوج مشاركاً لك في الاهتمام بالشؤون المنزلية وتربية الأبناء، هذا العمل يُسهم في إزالة عبء الشعور بالذنب عندك، وبالتالي التقدم في وظيفتك، وفي الوقت نفسه يحافظ على التوازن العاطفي والعائلي بين أفراد الأسرة.

ومن الضروري أن تدرك الأم أن حب الأبناء لا يعني أن تكون في خدمتهم على مدار اليوم، وتنسى ذاتها ورغباتها الشخصية وأحلامها، بل من حقها أن يكون لديها كيان خاص. إذ ليس مكوثها لمدة أكبر من الوقت مع أطفالها هو الذي يجعل العلاقة قوية بينهما، بل نوعية الوقت الذي تمضيه معهم.

وفي المقابل، من الضروري أن يشعر الطفل بمحبة أمهم وعاطفتها، ولكن عليها في الوقت نفسه أن تعرف أنهم ليسوا كل شيء في حياتها، بل هناك الكثير الذي يمكن أن تقدمه لهم وهي ليست معهم في البيت. وهذا يساعدهم على تطوير حياتهم الخاصة، وبالتالي لن يشعروا بالذنب لاحقاً عندما يقررون الانفصال عن الأمّ ليشقوا حياتهم عند ذهابهم للجامعة، أو زواجهم مثلاً. فالتضحية بالحياة المهنية وأحياناً الشخصية تُثقل الأبناء بإحساس الدَّيْن الذي لا بد من تسديده للأم.

كما أنّ من أهم الميزات لعمل الأم، هو أنه يسمح للأبناء بأن يتحمّلوا بعض المسؤوليات التي لم تكن من صلاحياتهم، فهذا يُشعرهم بأنهم أكثر نضجاً، وبأن والدتهم تثق بهم، مما يعزز لديهم الشعور بالاستقلالية.