هو

لست وحدي حبيبها

لماذا لا يمكن للإنسان أن يقرأ ما هو مكتوب في لوح مستقبله؟ أستغفر ربّي كلما دار في بالي هذا السؤال. إن الغيب عنده وحده، وليس لبني آدم سوى أن ينتظر مصيره ويتقبله ويحمد الله الذي لا يُحْمَد على مكروه سواه. والمكروه هو ما أراه من طباع سروة، وسروة هي بنت عمي قبل أن تكون زوجتي.

ارتبطت بها وهي في السابعة عشرة، لم تفتح عينيها على الدنيا بعد. وقد عاشت معي في البيت الكبير للعائلة 10 سنوات، من دون أن تتذمر أو تختلف مع والدتي، أو تطلب الاستقلال في منزل خاص بنا. كانت راضية مبتسمة وسعيدة، فماذا حدث لزوجتي، فجأة؟

تغيّرت أحوال سروة منذ اليوم الذي قرر فيه جلال، أخي الأصغر، أن يتزوج. وهو قد اختار فتاة طيّبة من قريباتنا البعيدات، واستأذن الوالد في أن يقيم وعروسه في البيت الكبير، أيضاً. إن هذا المنزل خير وبركة. وهو مؤلف من طابقين واسعين وسرداب مؤثث. أي أنه يتسع لنا ولأبنائنا، خصوصاً بعد أن تزوجت الشقيقات وذهبن إلى بيوت أزواجهن. لماذا نترك شقيقي يسكن بعيداً ويتكبد نفقات إضافية؟ ليس أطيب، على قلب الوالدة، من أن تجمعنا حولها، أبناء وأحفاداً، مثل التفاف «الكتاتيت» حول الحمامة.

حالما حلت عروس أخي بيننا تغيرت طباع سروة. لقد ناصبتها العداء ولَبَدَتْ لها مثل الشوكة في الخاصرة. وقد تصورنا أن الغيرة هي السبب، ولا شك في أن زوجتي تغبط سلفتها على شبابها وجهازها الجديد، وعلى الترحيب الطبيعي الذي تلقاه منا. ثم إن العروس رشيقة وأنيقة، بينما تهدل قوام سروة من تتابع ولاداتها. لكن الصدفة وحدها جعلتني ألتفت إلى ما كان كنت غافلاً عنه. لقد سمعت أمي، دون قصد مني، وهي تخبر أبي بأن سروة كانت في صباها تتمنى أن تتزوج من جلال الذي كان يكبرها ببضعة أشهر، لكن طلال، أي الابن الكبير الذي هو أنا، سبق وطلب يدها.

كيف يمكن أن تخفي والدتي عني هذا السر؟ لا أصدق أنني عشت عشر سنوات مع زوجة كانت تحب شقيقي وتتمناه.

لم أتمكن من السكوت. كنت غاضباً ومحتقناً وصارحت زوجتي بما سمعت. وقد رأيتها تفزع وتنزل على يدي لتقبّلها. أقسمت لي سروة أن ميلها لأخي كان لعب أطفال، وأنها تحبّني ولا يمكن أن تفكر في غيري، أنا ابن عمها ووالد أطفالها الأربعة. قالت إن أخي هو في حكم أخيها. وقد نظرت

في عينيها وقرأت الصدق فيهما. وبعد هذا الموقف المحتدم، هدأ خاطري وتنفست الصعداء وأمضيت ليلة حب رائقة مع أم الأولاد... ليلة لم أعرف مثلها من قبل. وفي الصباح التالي فاتحتني زوجتي بأن أبناءنا يكبرون، وقد حان الوقت لأن نستقل في بيت خاص خارج حضن العائلة. ماذا يحدث من حولي؟

هي

حان وقت الخروج

جلال وطلال? الاثنان كانا من فرسان طفولتي، ومن أبناء العمومة الأقرب إليّ. صحيح أنني ملت إلى جلال لأنه كان يقاربني في السن ويأتي لي بمجلات للأطفال، لكن نصيبي كان مع طلال، الشاب الكبير الذي أنظر له بعين الاحترام وليس شريك الألعاب البريئة. هل كنت سعيدة مع زوجي وأنا أحمل وألد الطفل بعد الآخر؟ يبدو لي السؤال متأخراً ومن دون طعم. لقد عشت مع أهله في البيت الكبير وكنت فرداً من عائلة طيبة ومتماسكة ومستورة، فلماذا أنبش أحاسيس مضى زمانها وبردت جمراتها، بل انطفأت وصارت هباء؟

لست أنا من نبش الرماد، بل زوجي الذي جاء يسألني عن حقيقة مشاعري تجاه شقيقه الأصغر. يا له من سؤال جمّد الدم في عروقي. إن أخاه بمثابة أخي. لكن وجوده في البيت، طيلة تلك السنوات، كان يريحني ويُطمئنني ويمنحني السلام. إنه القريب والصديق وصمام الأمان. وحين كنت أتناقر مع حماتي، أو مع الشغالة، أو حتى حين تتراكم عليّ واجباتي تجاه أطفالي، فإن جلال كان اليد التي تمتد لمساعدتي والعقل الذي ينصحني ويوفر لي فرصة للهدوء. إن وجوده في البيت ضروري حتى لو لم نتبادل أي حديث، وقد اعتدت عليه بحيث لم يخطر في بالي أنه يمكن أن يتزوج وينشغل ويبتعد عن فضائي الضيق والمحدود داخل هذه الجدران.

لكن ابن عمي تزوج. وفوق هذا جاء بزوجته الصغيرة المغناج لتقيم معنا، في فضائي وداخل حدودي. ولا أدري لماذا ارتبكت واختل ميزاني، أغضب وأثور لأتفه سبب، وأفتعل المشاجرات مع حماتي مع أبنائي وحتى مع الجارات. لم أعد أعرف نفسي وشعرت بأنني سأختنق إذا واصلت العيش قريباً من العروسين الغارقين في التفاهم وإمارات الغرام. هل هي الغيرة؟ أرفض أن أعترف بأنها الغيرة، لأنني أملك كل ما تتمناه المرأة من زوج طيّب وأطفال جميلين وعيشة مُرفّهة. قد أحتاج إلى بعض التدليل والغزل بعد أن مضت على زواجي عشر سنوات، لكن من غير المنطقي أن أطالب طلال بأن يمسك يدي ونحن وسط العائلة، مثلما يفعل أخوه مع عروسه.

حين واجهني بذلك السؤال الحارق، خفت من رد فعله وتصورت أن السقف سينهار على رأسي ويهدم استقراري. سيتم طردي خارج البيت وأفقد أبنائي. هجمت على يد زجي أحتضنها وأقبّلها وأنا لا أعرف كيف أدافع عن نفسي. لماذا الدفاع من دون أن أرتكب إثماً؟ شعرت في تلك اللحظة أن طلال

هو سندي وسقفي، وأنني متعلقة به أكثر من أي إنسان في دنياي، وقد كنت صادقة في كل كلمة قلتها له. ورب ضارة نافعة. فقد كنا محتاجين إلى مثل تلك الهزّة، لكي نتأكد من عمق الحب الذي يجمعنا. وعلى الرغم من أننا عشنا بعدها ليلة من ألف ليلة، لكنني أدركت أن الوقت قد حان للخروج من فلك العائلة الكبيرة. لا أريد للهواجس، بعد اليوم، أن تعذب الرجل الذي أحب.