يقول دافنتشي: "إن الخلوة أمّ الحرية. فإذا كنت وحيداً فأنت ملك لنفسك، وإذا كنت مع رفيق واحد فلن تملك إلا نصفك". أبقتني المقولة مذهولة. اكتشفت أنني لا أملك من نفسي حتى نصفها.

هذا زمن التيه والتشتت، الكلّ أمام هاتفه هائم على وجهه، تائه عن نفسه، يتقاسمها مع حشد من البشر لا يعرفهم ولا يعرفونه، ويملكون حق اقتحام حياته، والتلصص على أخباره، وهو حائر لا يدري أيهما حياته الحقيقية، هل التي يعيشها؟ أم تلك التي يشاهدها على شاشة هاتفه؟ بعد أن سقط الحد الفاصل بين العالم الواقعي والافتراضي. انتهى زمن الشوق. الآخر غدا في متناولنا. أخباره وأفكاره وأسفاره وصوره تملأ هاتفنا. أصبحنا نشتاق إلى أنفسنا التائهة. كل ما نتمناه هو أن نعثر عليها، ونخلو بها ولو قليلاً، فهي ما فارقناه في زحمة وسائل التواصل الاجتماعي. وهي الشيء الذي أصبح ينقصنا حقاً.

اشتقت إلى نفسي المبعثرة? أريد أن أجمع كل صورها التي لا تشبهني، وكلماتها التي تُنسب لي، والتي يفيض بها العالم الافتراضي. مذ دخول الهاتف المحمول حياتي، كسبت ملايين البشر وخسرت نفسي. أودّ أن أواعدها، أن أدعوها لفنجان قهوة نحتسيه معاً في مكان لا إرسال فيه. أن أبوح لها بأشياء صادقة، لا تُكتب على الفيسبوك، ولا تُختصر بعدد أحرف التويتر. كل ما أتمناه أن لا يلتقط أحدهم صورة لنا لأنني لمرة سأذهب للموعد بثياب النوم.. فنحن لا نكون صادقين إلا حين نخلو بأنفسنا في آخر النهار! كتبت المطربة شمس الكويتية على حسابها تسأل: "شنو موقفكم إذا تشوفون أزواج فيديواتهم على السوشال ميديا كلها حب وحركات وورود وأغاني وإنتو تعرفون الحقيقة أنهم أتعس أزواج في الدنيا، وفي منهم كل حد عايش مع حب ثاني غير زوجها أو زوجته؟". ما توقّعت أنّ ردي على شمس سيجد صداً كبيراً لدى قبائل التويتر. لعلّ الكثيرين مثلي ما عادوا يقبلون بأن يستغبيهم أحد، باستعراض سعادة كاذبة. أتعبنا هذا النفاق الذي نسكت عنه مجاملة. "عزيزتي الجميلة.. السعداء لا وقت لهم أصلاً لاستعراض سعادتهم. السعادة لا تترك لهم من وقت! شخصياً أشفق على من يُشهد الناس على مقتنياته، وعلى الفنادق الفخمة التي يقيم فيها، واللحظات الحميمية مع زوج أو حبيب. إنه يريدنا شهود زور، فالثراء والحب والهناء لا تحتاج إلى شهود". وفاؤك يزيد من خسارات النساء بريء الأذى ما التقتك أنثى إلاّ وَدَعَتْ في سرّها عليك لأنّك من دون قصد كنتَ ما تمنّته ولن يكون يوماً لها لا تبح لامرأة بأني مَن تحب عزلاء أنا.. أمام إناث الكيد!