"الخاطبة" هو الاسم الذي أطلق قديماً على تلك المرأة التي تملك دائرة معارف واسعة، وتحمل عادة معها مجموعة من الصور للجنسيّن، لكي يختار كل طرف الآخر من بين مجموعة صور لتبدأ "الوسيط" حينها بترتيب لقاءِ له مع عائلتها، وبالطبع العكس هو ما سيحدث في حالة كان الطالب من أهل الفتاة. وكانت الخاطبة أحد أكثر أساليب الزواج انتشاراً، لأنّ الفتيات كنّ أقل انخراطاً في المجتمع واندماجاً مع الجنس الآخر، بحكم العادات والتقاليد.   ومع الوقت بدأ مفهوم الخاطبة في التغير شيئاً فشيئاً، فبعدما كان الأمر قاصراً فقط على امرأة تحمل مجموعة من الصور، لأشخاص في المنطقة التي تقطن بها، بدأت في الظهور مكاتب صغيرة هدفها "إيجاد شريك الحياة"، فتتوجه الفتاة أو الفتى أو ذويها للمكتب لإدراج بياناتهما وبيانات الشريك المطلوب، وينتظرون مكالمة من المكتب لإخبارهما باستطاعتهم إيجاد الشريك الأنسب لهم من بين المتقدمين، ومع ظهور الإنترنت، تحولت المكاتب إلى مواقع إلكترونية للهدف ذاته.   وكما أحدثت مواقع التواصل الاجتماعي طفرة في المجتمع، كان لـ"مهنة الخاطبة" نصيب في هذا التطوّر، فظهرت جروبات عبر فيسبوك التي تقوم بالأمر ذاته، ويعتمد الأمر على المصلحة المشتركة، فهذه الأم تبحث عن عروس مناسبة لابنها، وتلك الفتاة تبحث عن شريك صالح لشقيقتها، بل تطوّر الأمر لأن تبحث الفتيات بأنفسهن عن شركائهن،  فتنشر "بوست" ببياناتها، ومواصفاتها، وكذلك مواصفات الشريك الذي تريده، وتعتمد بالطبع كثرة التعليقات أو قلتها وفقاً للمواصفات التي أدرجتها العروس الطالب،  فبداية التفاوض تبدأ بـ"إنبوكس من فضلك"، أو "لدي عريس مناسب"، وتنتهي بتعليق من صاحبة البوست نفسه بـ"شكراً لكم تم التواصل مع أحدهم"،  ليفهم الجميع أنها وجدت ضالتها في إحدى الرسائل الخاصة.   تروي عبير حسن وهي خاطبة مصرية منذ 19 عاماً تفاصيل عملها لزهرة الخليج بعد أن أطلق عليها الإعلام لقب "أشهر خاطبة على السوشال ميديا"? أنها بدأت أول نشاطها مع شقيقات زوجها، وبعدها توسعت للجيران، ومن ثم أصدقائها وأصدقاء أولادها، إلى أن وصل صيتها لخارج الدولة، وأصبحت تملك عرساناً في كل الدول العربية بل والأوروبية أيضاً. وتوضح عبير تطور عملها بالقول "الخطبة قديماً كانت تقتصر على معارف الحي الواحد، أما الآن بدأ الأمر بالتوسع باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي للوصول لأكبر عدد ممكن".   وتشير عبير إلى أن هناك فئات من الرجال هم الأكثر إقبالاً على هذا النوع من الزواج، وعلى رأسهم المغتربون، والعاملون بقطاع مثل البترول، حيث إجازاتهم محدودة، وكذلك أساتذة الجامعات، فيمضون حياتهم في الدراسة والعمل ويسرقهم الوقت دون أن يقابلوا شريك حياتهم.   وترى عبير من واقع خبرتها وعملها بهذا المجال ،أنّ "زواج الخاطبة الأكثر استقراراً" لأنه زواج عن طريق العقل، كما أن استهلاك الحب والعواطف قبل الزواج، يجلب الملل والسأم، غير الذين يبدؤونه بعد الزواج، مشيرة إلى أنها الطريقة الأسرع أيضاً، فكلا الطرفين يضعون الزواج على أولوياتهم، عكس الطرق الأخرى.   وتحدثت عبير عن أسرع وأغرب زيجة عاصرتها، حينما ذهبت مع العريس وأهله لمنزل العروسة، فوجدوا التيار الكهربائي مقطوعاً، ورأى العريس عروسه بضوء الكشافات طيلة الجلسة، وتم الزواج حينها سريعاً جداً.   أمّا من الناحية النفسية? عزت د. سوسن فايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إقبال الفتيات والشباب للزواج عن طريق مجموعات الزواج على فيسبوك? إلى انعدام التفاعل الاجتماعي بين الأسر والعائلات والأقارب والجيران، مشيرة إلى أنه في السابق كان التعارف بين الشباب يحدث عن طريق اختلاط العائلات والجيران، فتتوافر ساحة مباشرة للمعرفة عن قرب، أما الآن ومع وجود فجوة واسعة سببتها التكنولوجيا، والبدائل الافتراضية التي شغلت الأفراد عن التواصل مع الواقع، اضطر الأبناء إلى الاعتماد على أنفسهم في البحث عن شريك حياتهم بعيداً عن الأهل الذين أصبحوا عاجزين عن دعمهم بالبيانات والمعلومات اللازمة عن محيطهم كما كان يحدث سابقاً.   إذاً السبب المباشر هو اجتماعي بحت يعود للفردية المطلقة"، هكذا ترى د. سوسن الأمر، وتعلن عن قبولها للتجربة قائلة: "لا عيب في أن يستغل الأبناء حريتهم، والتقنيات التكنولوجية المتطورة للبحث عن شركائهم، على أن يظل الإنترنت ومجموعاته مجرد وسيلة للتعارف، ولا يعتمد عليه كمرحلة تؤدي إلى اتخاذ أي قرار، ويدخل بعدها التعارف المباشر ومعرفة الأهل، واختبارات التوافق وغيرها".   وأكدت د. سوسن أن طريقة التعارف لا تشكل فارقاً في نتيجة الزواج، سواء كان عن حب، أم معرفة مباشرة، أم تقليدي أم عن طريق الفيسبوك، وإنما هناك معياران يتدخلان بشكل مباشر في تقييم التجربة والحكم على نجاحها أو فشلها، وهما التكافؤ الاجتماعي، أي وقوف كل من الطرفين على أرضية متقاربة من الثقافة والتعليم والمستوى الاجتماعي والمادي، والثاني وجود التوافق النفسي، بمعنى ألا تكون هناك حالة من النفور لدى أحد الطرفين، مشيرة إلى أن التأكد من وجود المعيارين يرسخ لبداية زواج سليمة. واستبعدت د. سوسن وجود صلة مباشرة بارتفاع حالات الطلاق، وتلك الطريقة للزواج، مؤكدة أن الأمر في النهاية يعود إلى سوء الاختيار، والمبني غالباً على العواطف، أو عيوب شخصية لكل من الطرفين، مشددة على ضرورة تكاتف جهود جميع المؤسسات بالشكل الذي ينشر ثقافة توضح مفهوم الزواج والأسرة وكيفية الاختيار السليم من البداية   من جهة أخرى? أشارت د. هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن الخاطبة بطريقتها التقليدية كانت موجودة بشكل ضعيف قديماً، فقط في البيئات المغلقة مثل الريف، أو العائلات الصغيرة التي ليس بها فرص واسعة للاختلاط، أو تنحصر في حالات معينة مثل فتاة تعدت سن الزواج، أو شاب تضيق دائرة معارفه، أما في العموم كانت هناك بيئة اجتماعية قوية في المجتمع المصري، مما خلق فرصاً لمقابلة العائلات والأقارب والجيران، وحتى في نطاق العمل كانت العلاقات تتعدى كونها مجرد زمالة، مما أتاح مساحة للشباب لاختيار بعضهم بشكل مباشر دون اللجوء لوسائل بديلة.   وتقارن د. هالة بينه والحاضر: "أما الآن فزادت النزعة العملية والمادّية، وساد الانغلاق بدرجة كبيرة في الأسرة والجيران والأقارب، وباتت جميع العلاقات تهدف إلى المصالح سواء في الدراسة أم العمل، مما أضاع من فرص الاندماج في علاقات يمكنها أن تتطور إلى تكوين أسر".   سبب آخر تراه د. هالة للجوء شباب العقد الثالث من القرن الـ21 للزواج عن طريق جروبات الفيسبوك، وهو عزوف الشباب في طبقة معينة عن الزواج، بدعاوى انتظار اكتمال نضج شخصياتهم، أو سعيهم لتحقيق كيانهم العملي، أو الاستمتاع بحريتهم الشخصية، ليكتشفوا بعد فترة، أنهم في فترة لابد لهم فيها من شريك.   "هذه المجموعات طريقة أيضاً للتجميل الاجتماعي"، هكذا تدرج د. هالة سبباً ثالثاً، فتوضح: "أصبح الشباب أكثر انفتاحاً، وبسبب تقاليد المجتمع الشرقي التي تنص على أن مواصفات الحبيبة تختلف عن مواصفات الزوجة وأم الأولاد، فيوّد الشباب لو يخرجون من محيطهم الذي يعرفهم، ويبدؤون صفحة جديدة تماماً، بصفات وحاضر يقولوه عن أنفسهم دون أن يشكك فيهم أحد".   وتوضح د.هالة: "أن هذه الطريقة في التعامل مع الزواج والعلاقات عموماً تندرج في وصف علماء النفس له بـ"تشيؤ" العلاقات الاجتماعية، أي تصبح أشياءً قابلة للتداول والبيع والشراء والاستخدام أكثر منها معتمدة على العواطف والمشاعر".