قد تعني الأشياء القديمة الحب، الدفء الأمان والذاكرة الجيدة للماضي الجميل، لكن ماذا لو وجدنا أنفسنا نعيش وسط أكوام الأغراض التي لا نستخدمها إطلاقاً ولكننا لا نستطيع التخلص منها ربما لذكرياتها أو لحوجة قادمة. فهل الاحتفاظ بهذه الأشياء يعتبر «نوستالجياً» أم مرضاً؟

يشير مقدم البرامج هزاع الشرياني إلى أنه يحتفظ بالأشياء ذات قيمة معنوية، والتي تحوي ذكريات ولحظات لا تتكرر? مثل الدروع التذكارية و«نيشانات» التكريم، وبعض القصاصات الورقية والدفاتر، التي يحتفظ ببعضها منذ أكثر من 10 سنوات، ويُقرّ بصعوبة تخلصه منها? مؤكداً أن سبب تراكمها كثرة انشغاله وعدم وجود وقت لديه لفرزها، حيث يشعر بأنها ذات قيمة نفسية كبيرة لديه، وتحوي ذكريات رائعة ولحظات لا تتكرر، وتُعيده إلى الزمن الجميل، وأحداث مهمة ومؤثرة في حياته، لذا التخلص من بعضها يحتاج منه إلى قرار وإصرار يملكهما معاً، مُمنّياً نفسه بأنه سيقوم بفعل هذا الأمر في القريب العاجل، حتى لا تتحول غرفته إلى «كومة» من الفوضى. وتصرّح ميرا العقروبي "موظفة" أنها كانت من المولعين بالاحتفاظ بالأشياء لفترات طويلة خصوصاً الدفاتر والأوراق التي تسجل عليها بعض الملاحظات أو المرتبطة بذكريات معينة? لكنها تخلصت من هذا الهوس بعد أن تكدست الأشياء أمامها بشكل مزعج. وتبرّر قائلة: "كان اكتنازي هذه الأوراق والأشياء يعطيني الشعور بالراحة والإحساس بالأمان، وأنني أملك أشياء قيّمة، وأنني يمكن أن احتاج إليها يوماً ما فلا أفرّط فيها» وتختتم ميرا العقروبي بالقول: «لكن مع نضوجي، أدركت أنه لا داعي لتراكم هذه الأشياء، فلكل زمن أدواته واستعمالاته، وأن جْمَعها قد يخلق الفوضى، وأن الذكريات الجميلة تبقى في العقل والقلب". يؤكد المصور الصحفي عادل حياتي أنه لا أحد يمكن أن ينجو من عادة تكديس الأشياء، في أحسن الفروض الاحتفاظ بقليل من متعلقات ماضية، والتي تتمثل في كثير من الأحيان من أشياء، والدليل أنه لا يوجد بيت يخلو من مخزن أو ركن قصيّ، تحفظ فيه العائلة أشياء وأدوات تحفظ بها لسنوات طويلة في مكانها نفسه? فلا يتم رميها أو استعمالها. ويضيف مُبيّناً بالقول: "الناس عموماً يحبون الحنين إلى الماضي والاحتفاظ ببعض هذه الأشياء، لأنهم يجدون في القديم إحساساً خاصاً وشعوراً مختلفاً». ويختتم عادل حياتي قائلاً: «كما يكون الدافع من تعلّق بعضهم بالأشياء أنها ستكون ذات نفع لهم في المستقبل، أو يدركون أن لها قيمة مادية معينة.. فلا يفرّطون فيها ويصبحون من المبذرين". أمّا وفاء علي، فهي على عكس الحالات التي تقوم بتكديس الأشياء، إذ تتخلص من كل شيء لا قيمة له، أو أشياء تُدرك أنها لن تقوم باستعمالها مرة أخرى في المستقبل القريب، فهي لا تضع نفسها رهينة لـ«كراكيب»، لتذكرها بلحظات عن الماضي مهما بلغ جمالها حسب قولها، وأنها دائماً تقوم بالتخلص من الأشياء التي لا تحتاج إليها في الحاضر، بغض النظر عن قيمتها أو إمكانية استخدامها مرة أخرى. وتوضح قائلة: "قناعتي بأن الاحتفاظ بـ«كراكيب» في البيت، تعتبر أحد أهم أسباب عدم تدفق الطاقة الإيجابية في المكان». وتشير وفاء علي باستغراب، فتقول: «أعرف أناساً تمتلئ خزائنهم بتذاكر السفر القديمة، وعلب الطعام، وزجاجات العطور الفارغة، حتى أشرطة الكاسيت التي اختفت أجهزة تشغيلها اليوم موجودة لديهم، ولا أستطيع أن أفهم المغزى من ذلك". ومن الناحية النفسية تؤكد اختصاصية الطب النفسي مها عبد الحليم أن الاحتفاظ بأشياء قديمة سلوك مرتبط بالشخصيات العاطفية مشيرةً إلى أن حالة تكديس الأشياء ظاهرة موجودة عند كثير من الأشخاص، لكن لا نستطيع وصفها بالحالة المرضية إلا إذا تعدّت حدّاً معيناً. وتتابع قائلة: "في الحالات العادية، فإن الاحتفاظ بأشياء قديمة وغير مفيدة، سلوك مرتبط إلى حد كبير بالشخصيات العاطفية أو كبار السن، إذ يربطون احتفاظهم بهذه الأشياء بأوقات سعيدة أو ذكريات مؤثرة مرّوا بها وعاشوها، فالأشياء القديمة تذكرهم بها، والتي ستنتج عنها حالة عاطفية جيدة". وتضيف: "ولأنك كنت تملك هذا الشيء معك في ذلك الوقت ستتذكر مشاعرك نحوه، الأمر الذي يمنحك بعض الراحة.. كما أن هناك نوعاً آخر من الناس، يحتفظون بالأشياء القديمة وحتى المكسورة، لأنهم يخشون ألا يتمكنوا من الحصول على مثلها أو المزيد منها في المستقبل".

لكن متى يمكن أن تصنف هذه العادة بالمرضيّة؟ تجيب د.مها قائلة: "إذا تسببت في إعاقة حياة الشخص وحركته، وتُعرف هنا بمرض «الاكتناز القهري»، أو «اضطراب الاكتناز»، ويُعرف علمياً بالإفراط في الاحتفاظ بالأشياء القديمة وتكديسها، والصعوبة الشديدة في اتخاذ قرار، بشأن التخلص من الممتلكات الشخصية غير الضرورية، ويعود ذلك إلى الشعور المستمر بالحاجة إلى استخدام هذه الأشياء فيما بعد"?

فيما بيّنت أن شده الحالة تتفاوت درجتها من شخص إلى آخر، فمنها الخفيفة إلى المتوسطة فالحادة والتي تتمثل علاماتها بالفوضى الشديدة، وقلة التنظيم وتكديس المنزل إلى درجة تصل إلى إعاقة الحركة فيه، وصعوبة الحياة داخله. وتختتم د.عبد الحليم مؤكدة بالقول: "إن صعوبة التخلي عن هذه الأشياء مسألة معقدة، تتعلق أحياناً بالمخاوف من التخلي عن الماضي، أو القلق بشأن التبذير، أو عدم معرفة كيفية بدء التنظيم. ولكن من الممكن التغلب على هذه العقبات والتخلص تماماً من كل هذه الأشياء، ببعض العزيمة والاقتناع بالتغيير، والعلاج السلوكي والدوائي في الحالات الشديدة".