عرفنا مصر بلداً للتنقيبات الأثرية، وأرضَه مدفناً عملاقاً لشواهد عن حضارات بادت? لكن الاكتشافات الفضائية في الجلف الكبير لا تخص الماضي وحسب إنما ربما أيضاً المستقبل? خصوصاً بعد الجدل القائم حول إمكانية وجود حياة على المريخ. ففي عام 2004، أعلن «المركز الوطني للبحث العلمي» الفرنسي، عن اكتشاف بالغ الأهمية لمركز الأرصاد في مدينة بوردو.

فلماذا اهتمّ علماء الكواكب بتلك المنطقة النائية في جنوب غرب الصحراء المصرية، قرب الحدود الليبية؟

انتبَه الباحث فيلي? ?ايو إلى إمكانية وجود نيازك في الجلف الكبير، بعد تأمله صوراً قديمة أخذت من القمر الصناعي الياباني «جيرس1»، بالاستعانة بنظام تردد راداري دقيق لرؤية أفضل للتضاريس الأرضية والنضائد الجيولوجية. فلاحظ وجود خطوط دائرية تغطي كثبانُ الرمل معظم مساراتها. فتمّ تشكيل فريق بحث مشترك فرنسي - مصري لحصر المكان بالضبط والتحقق من افتراض وجود نيازك فيه، أو على الأقل آثار صدماتها.

والنتيجة فاقت التوقعات، حيث تم اكتشاف رقعة من 5 آلاف كيلومتر مربع، تعجّ بنحو 100 فوهة، أحدثتها صدمات النيازك أو شظاياها. ويراوح قطر كل حفرة بين 20 متراً و1000 متر، بأعماق تصل إلى 80 متراً. وكان أكبر حقل نيازك معروف قد اكتشف في الأرجنتين، بمساحة 60 كيلومتراً مربعاً فقط. وإذ تعد منطقة «الجلف» الكبير شحيحة بالحياة والحركة، فهي لم تبخل بهذا الاكتشاف ذي القيمة العلمية العالية.

فالعدد الكبير من الاصطدامات مع سطح الأرض يعني أن نيزكاً بالغ الحجم، على الأقل، تهشّم حين مُلامسة الغلاف الغازي، فتبعثرت «أشلاؤه» في تلك الرقعة، التي تشكل عاشر أقدم حقل نيازك مسجل في العالم، إنما أكبرها على الإطلاق. وأسفر تحليل 19 عيّنة من تلك الشظايا عن تقدير «عمرها» بنحو 50 مليون سنة، ما يكتسب أهمية خاصة في إطار الفرضيات المتعددة والمتناقضة في شأن وجود حياة، أو عدمه، على كوكب المريخ.

وفي عام 1911، سقط في مصر نيزك سُمّي «النخلة»، نسبة إلى موقعه القريب من الإسكندرية. وأدّى سقوط الحجر إلى مقتل جرو، في حين يشدد الاختصاصيون على عدم وجود حالة مسجلة عن مقتل شخص من بني آدم جرّاء سقوط نيزك، على الأقل ليس في الحقبة المعروفة. وقُدر عمر حجر نيزك «النخلة» بمليار و370 ألف سنة، فيما استنتج العلماء بأنه شظيّة انسلخت عن المريخ بعد اصطدام كويكب به.

ذلك يعني أن أرض مصر تزخر بـ«آثار» لا تعود إلى بضعة آلاف من السنين وحسب، إنما أيضاً بضع مئات من ملايين السنين.