سارق الدموع كلّما أمعنت في بكائه أهداني مآقى جديدة وشلالات حزن لكتابة قصيدة ثمّة رجال يُسعدهم إبكاء امرأة، يرون في دموعها دليل سطوتهم واعترافاً بذنبها. بينما تبكي هي في الواقع، لإحساسها بالظلم، وإجحاف الرجل في حقها. غالباً ما تقضي المرأة الوقت في الاعتذار عن ذنب لم تقترفه، ووحده الرجل يدري به. ففي جميع الحالات في إبكائها عقاب استباقي يطمئنه. لعل الخطأ الحقيقي الذي ترتكبه المرأة، هو بكاؤها في حضرة رجل ما كشف يوماً عن هشاشته الإنسانية أمامها. فهي حينها تهدي دموعها لطاغية، يتغذى من ضعفها. شخصياً تربيت على احترام دموع الرجال، مذ رأت عيناي أبي يدمع وهو يروي قصة حب حياته، ويبكي عندما يذكر كيف استشهد رفاقه. منه تعلمت ألّا أثق في رجل لا يبكي. فلقد أدركت أن الذكور لا يبكون، بل يباهون بإبكاء النساء. طبعاً هؤلاء ما كانوا يدرون بأن البكاء يطيل عمرنا. فالأبحاث الطبية تجزم بأننا سنعيش بعدهم. وهكذا يمكننا القول "يضحك أخيراً من بكى كثيراً". أمّا الفضل فيعود إلى هرمون "البرولاكتين"، الذي فازت به النساء في قسمة الأرزاق الإلهية، فهو نبع خير ورحمة يتدفّق عند النساء بغزارة، يفرزه الجسم الأنثوي كردّ فعل للتوتر والأحزان، ومشاعر الاكتئاب التي تنتاب المرأة لأسباب هرمونية. وكأن الله وهو الأدرْى بمظالمنا وبرقّة مشاعرنا، أمدّنا بسلاح ندافع به عن أنفسنا. فإن كانت الهرمونات تعمل غالباً ضدنا، وتتسبب في تقلبات مزاجنا. فـ"البرولاكتين" مُهمْته مواساتنا بسواقي من الدموع.. وما الأنوثة إلا هبة السواقي. «هو رجل لا يدري أنّ الكلمات كالرصاصة لا تستردّ، راح يُطلق عليها وابل رصاصة كيفما اتّفق، كانت الكلمات تأتي إليه كما تأتي الدموع إليها.. الكلمات التي تقتل لاحقاً. الكلمات الغيوم التي تُمطر دمعاً فيما بعد». على النساء عدم احتباس دموعهن، فأكثر الأمراض خطورة، تأتي من دخولنا في مكابرة مع منطق جسدنا. فالدموع التي نحتبسها، ونضع سد كبرياء لمنعها من الانهمار، تُعلن علينا العداء وتأتي في آخر المطاف علينا. الدموع علاج "ديتوكس" أوجده الله ليخلّصنا من المواد السامة التي يفرزها الجسم عندما نكون تعساء. لذا بعد كل نوبة بكاء، تعود إلينا السّكِينة ويحل الصفاء، فلا قوس قُزح يظهر في السماء، إلّا بعد يوم شديد المطر. يبقى علينا أن نتذكر، بأن غشاوة الدموع تمنعنا من رؤية ما هو جميل حولنا، وقد نضيّع أثناء بكائنا فرصة الانتباه لشخص أوْجَدهُ القدر أثناء ذلك هدية لتغيّر حياتنا إلى الأجمل. لذا قيل "لا تبكي بعد غياب الشمس، فالدموع ستمنعك من رؤية النجوم".