من زار جبل طارق، لاحظ أنه أرض بريطانية، تتجلى فيها مظاهر الحياة على طريقة الـ«بريتيش»، بما فيها اللغة وأسماء الدوائر والمؤسسات الرسمية وعناوين الشوارع. يرى الزائر هناك حتى الباصات اللندنية الحمراء ذات الطابقين وكابينات الهواتف التقليدية نفسها المنتشرة على أرصفة المدن البريطانية. على الرغم من ذلك، تقع تلك الرقعة الصغيرة مساحة (6.5 كيلومتر مربع فقط)، إنما الكبيرة استراتيجياً، في أقصى جنوب إسبانيا، في طرف شبه الجزيرة الإيبرية. فلماذا تعود لبريطانيا، وهي تبعد عن عاصمتها نحو 1800 كيلومتر؟ في عام 1704، كانت إسبانيا منهمكة بحرب انفصالية داخلية. انتهزت لندن الفرصة، فأطبقت الحصار على المضيق، فانتزعته عنوة. إذ شكل الموقع خياراً استراتيجياً حاسماً بالنسبة إلى البحرية الملكية البريطانية لكي تظفر بالهيمنة على ذلك الممر البحري الضيق بالغ الأهمية، لكونه «مغلاقاً» محكماً بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.   وبعد 9 سنوات، أي في عام 1713، تمت المصادقة نهائياً على حالة الاحتلال في إطار مُعاهدة «أوترخت» (نسبة إلى المدينة الهولندية التي أبرمت فيها). ومنذ ذلك الحين، ما فتأت السيادة البريطانية مفروضة على المكان، بحكم شريعة «الأمر الواقع».