يطل علينا كل عام شهر رمضان ضيفا عزيزا على القلوب وقد شبهته السنة المشرفة بسوق كبير يعقد مرة بالعام يدخله الجميع فيه ثم يخرجون منه وقد ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، فاللهم اجعلنا فيه من الرابحين. إنه شهر واحة الإيمان لأسرنا وأبنائنا لذا يجب أن نؤهل الأبناء من الآن لاستقباله حتى لا ينظر إليه بعض الأبناء على أنه شهر الحرمان من الطعام والشراب والملذات . لابد أن يجلس الآباء يفهمون الصغار ما الحكمة من هذا الجوع والعطش وأن ربنا سبحانه لا يريد بنا تعذيبا وتجويعا وظمأ بل الحكمة أن يجعلنا نشعر عمليا بجوع من لا يملكون الطعام من فقراء العالم هنا وهناك فيرق قلب المسلم ويخرج لهم من زكاة ماله ليطعم هؤلاء الجوعى وبالوقت ذاته ليشكر المسلم ربه على نعمه عليه والتي لا تعد ولا تحصى ومنها أن الله أعطى والده المال والوظيفة والدخل والبيت والسكن والأمان بالوقت الذي لا يملك غيرنا تلك النعم. ثم يجب على الوالدين غرس حب اتباع أوامر الله بقلوب الأبناء بتعليمهم أننا نصوم ونجوع ونعطش لأن الله أمر بذلك وإذا أمر الرب بأمر فيجب الامتثال له والطاعة لأن في اتباعه الخير كله حتى وإن لم نعرف الحكمة اليوم من تلك العبادة فسنعرفها حتما بيوم من الأيام. أخبروهم أن أطباء العالم اليوم يقررون جميعا أن صوم رمضان كل عام هام جدا لراحة الجهاز الهضمي والمعدة لاستعادة نشاطهما وأن هذا الصوم صحة وقوة وليس ضعف وكسل لقوله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم) ولقوله عليه الصلاة والسلام: (صوموا تصحوا) فالتخمة والسمنة هي وراء كل أمراض العصر فيأتي الصوم منظما لتلك العمليات الهضمية وضابطا لايقاعها لننعم بصحة جيدة. وبينوا لأبنائكنم إن الصوم لا يعني امتناع عن طعام وشراب فقط بل الأساس فيه هو الامتناع عن كل المحرمات قولا أو سماعا أو مشاهدة أو فعلا وأن يشغل المسلم وقته بالذكر والقرآن لأن الأجور والحسنات مضاعفة في رمضان فمن أدى الفروض في رمضان أخذ أجره 70 ضعفا ومن أدى السنن أخذ عليها أجر الفرض . موسم عطاء ونفحات ربانية من تعرض لها كانت له الجنة. علموهم أن للصائم فرحتان اختصه الله بهما. الأولى: عند لحظة إفطاره حيث أن له دعوة لا ترد لحظة إفطاره مع أذان المغرب والثانية: عند لقاء ربه فيقال للصائم: ادخل الجنة من باب يسمى باب "الريان" وهو أحد أبواب الجنة لا يدخله إلا الصائمون وفيه من الجمال والبهاء وحسن الاستقبال الكثير والكثير. أخبروهم أن الصوم لا يعني النوم والكسل وقضاء ساعاته على التلفاز والأفلام وتضييع تلك الساعات هباء منثورا بل الصوم يعني العمل والنشاط والتعبد وقيام الليل وقراءة القرآن بالنهار مع قليل من الترفيه واللعب فلا مانع من ممارسة الرياضة في رمضان لكن لا تضيع كل يومك باللعب لأنه شهر القرآن . وأخيرا علموهم ألا يحولوا ساعة الإفطار لساعة تصارع وسباق على أكل أكبر كم من الطعام والحلوى والمقبلات لأننا بذلك سنؤذي معدتنا ونفاجأها بكم هائل من الطعام لا تستطيع هضمه وهذا هو سر امتلاء عيادات الأطباء بالمرضى في رمضان لأن هؤلاء المرضى لم يحسنوا التعامل مع الافطار برمضان الذي يجب أن يبدأ فيه المسلم بأكل التمر وشرب الماء ثم نقوم لصلاة المغرب ثم نعاود بعدها للفطور ونقسم البطن كما علمنا نبينا ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك. هذا هو المعنى لشهر رمضان الكريم. وكل عام وأنتم وكل أسرنا وبلادنا بخير.