يعود بذاكرته إلى الوراء ليسترجع سيرة الفيلسوف محيي الدين بن عربي، ويُحيي مشاهد ومقتطفات من حياته بمواصفات أقرب إلى الحقيقة، صاغ الكاتب السعودي محمد علوان تاريخ ابن عربي في رواية "موت صغير" بقالب أدبي متميّز، وفازت روايته بالجائزة العالمية للرواية العربية 2017 في دورتها العاشرة، التي تم الإعلان عنها مؤخراً في إبريل الماضي في إمارة أبوظبي. سيرة ابن عربي استحوذت على اهتمامه في الدرجة الأولى، فأراد أن ينسج خيوط سيرته في رواية ثريّة عن طبيعة حياته وترحاله من دولة إلى أخرى، وبعد عملية بحثٍ وتحرٍّ عن شخصية ابن عربي دامت قرابة العام، أطلق الكاتب السعودي محمد علوان رواية «موت صغير»، لتحرز بعد ذلك المركز الأول ضمن قائمة الرواية القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية 2017. نال محمد علوان درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال من «جامعة كارلتون» في كندا، وكذلك درجة الماجستير في التخصص نفسه من «جامعة بورتلاند» في الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضاً بكالوريوس نظُم المعلومات من جامعة الملك سعود في الرياض. في هذا الحوار يكشف الروائي السعودي محمد علوان النقاب عن تجربته الشخصية في كتابة رواية «موت صغير»، والأسباب التي دفعته إلى اختيار سيرة ابن عربي للحديث عنها بشكل مفصّل، والأثر الذي ستتركه على القرّاء، إلى جانب المحاور التي يناقشها ويركز عليها في مؤلفاته الأدبية وأنشطته الثقافية كذلك. فازت روايتك «موت صغير» بالمركز الأول في الجائزة العالمية للرواية العربية 2017.. كيف تصف لنا مشاعرك في تلك اللحظة الجميلة؟ - مشاعر غامرة بالفرح والسعادة انتابتني لحظة الإعلان عن الرواية، والتي فوجئتُ بها بعد أن كشفت عنها سحر خليفة، رئيسة لجنة التحكيم. لذا، أقدّم كل الشكر والامتنان للجنة التحكيم والقائمين على الجائزة، لمنحهم لي هذه الفرصة الرائعة ويشرّفني كثيراً ذلك. غير ذلك الأمر الذي أسعدني أيضاً هو رجوعي وعودتي مرة أخرى إلى التقائي بالجمهور من القرّاء، والذي أسعى إلى الوصول إليه دائماً من خلال إنتاجاتي الأدبية، متنوّعة المحتوى والقضايا. عمّا تتحدث رواية «موت صغير» الحائزة المركز الأول، في الجائزة العالمية للرواية العربية لهذا العام؟ وأين تقع أحداثها؟ - تتناول رواية «موت صغير» سيرة متخيّلة لحياة المفكر الصوفي ابن عربي بصورة فنية متميّزة، منذ ولادته في الأندلس في منتصف القرن السادي الهجري، وحتى وفاته في دمشق، فهي تستحضر مرحلة تاريخية ووصف للحروب والصراعات، والتي تشكلت وتطورت في مسيرة ابن عربي الإنسان. وجاء اختيار «موت صغير» بوصفها أفضل عمل روائي نشر خلال الـ12 شهراً الماضية، من بين 186رواية مرشحة تمثل 19 بلداً عربياً. ما التحديات التي واجهتك في فترة البحث وجمع المعلومات عن الرواية، حتى جاءت بالشكل النهائي؟ - التحدي الأول كانت تجربتي لأول مرة في كتابة شخصية واقعية عكس الروايات الأخرى، التي تعود في رسم الشخصيات من مخيّلتي، وكانت لديّ مخاوف في كيفية رسم شخصية «ابن عربي» من دون مبالغات، ووصفه بطريقة معقولة وواقعية قبل كل شيء. وللأسف، لم يثبت عن شخصيته الكثير، فهو متوفى منذ 800 عام تقريباً. ثانياً، فإني لا أبحث فقط عن شخصية ابن عربي بل عن الأمكنة التي زارها، والمواقف التي تعرض إليها، ومسيرة حياته الترحالية من قرطبة إلى مراكش إلى الإسكندرية إلى بغداد وحلب وأذربيجان، ووصف تفاصيل أخرى لأؤسس بها الرواية بما يليق بالمشاهد الواقعية. ما مدى صعوبة رسم الشخصيات في الروايات، ونقطة التفاوت بين الخيالية منها والحقيقية؟ لا شك في أن رسم الشخصيات الحقيقية تحتاج إلى جهد أكبر وتفكير عميق، مقارنة بالشخصية الخيالية التي تتولد عبر مخيّلة الكاتب، فهو من يشكل الشخصية ويتحكم فيها، والجانب المهم في بناء الشخصية الحقيقية، هو أن تكون على حد من الواقعية، ويأتي الوصف بشكل مؤثر ومقنع بحسب ما هو عليه من دون أي مبالغات. أما تكوين الشخصية الخيالية فيعتمد على رؤية الكاتب، مما يخدم الرواية. علمنا أنك شاركت في أنشطة ثقافية أدبية ضمن فعاليات «معرض أبوظبي الدولي للكتاب» 2017. فما الذي قدمته بعد النجاح الكبير الذي حققته على مستوى الوطن العربي؟ - في الحقيقة، كانت لديّ أنشطة عديدة، منها استضافتي في «مؤسسة بحر الثقافة» لمناقشة الرواية، وتفاصيل أخرى متعلقة بالتجربة الأدبية، ومراحل تأسيس الرواية التي كتبتها في كندا بدرجة حرارة تحت الصفر، إلى جانب عرض تجربتي في ملتقيات أدبية وثقافية أخرى. كما وقّعت روايتي «موت صغير» على هامش المعرض، إلى جانب رواياتي الأدبية الأخرى وما أسعدني هو كلمات التقدير والإعجاب من قبل زوّار المعرض والقرّاء، وهذا الأمر بالنسبة إلي أكبر شهادة ودعم على مواصلة السير في مجال الأدب وباحترافية. ما أهمية وجود معارض الكتب في إحياء الأدب وإنعاش الحراك الثقافي لتفعيل دورها في المجتمعات العربية؟ - لا شك في أن معارض الكتب تتحول إلى حدث كبير في المدينة التي تقام فيها أو الإقليم، حيث إنها تثير اهتمام الناس، وتخلف وراءها ضجة تعيد رسم الصورة الحقيقة لأهمية الكتاب وثقافة القراءة، ومدى تأثيرها في المجتمع الذي يتأسس على مبدأ القراءة والاطّلاع على العالم الخارجي بمجالاتها المتطورة كافة، كما أنها تصلح بعض الجوانب التي قد أفسدناها من دون قصد، لإعادة الثقافة إلى مكانها المفترض ومقامها الذي لا بديل له. في رأيك، ما أهمية إطلاق الجوائز الأدبية، التي من شانها أن تخدم المجتمع العربي في إثراء الحقل الثقافي؟ - الجائزة مُهمّة ومُحرّك ثقافي، وهي تقليب لتربة الثقافة العربية التي تمر بتحديات كبيرة، مع وجود كل المنافسات في المقابل. ولا أنكر أن لدينا أطفالاً لا يقرؤون الكتاب، ويكمن دور المجتمع في إعادة الكتّاب والمثقفين إلى مقاعدهم المعتادة، والذين يلعبون الدور الثقافي المنوط عليهم. فضلاً عن دور الجائزة في تقديم المشهد الثقافي وإنعاشه، ليعود إلى مقرّه المفترض في بناء مجتمعنا. ما حظ البيئة السعودية من رواياتك؟ وهل لجأت إلى استرجاع مواقف من مراحل حياتك وقمت بنسجها وسط حبال مؤلفاتك؟ - للبيئة السعودية نصيب وافر من قائمة إصداراتي الأدبية، سواءً أكان في وصف الأمكنة أم الشخوص أم ملامح توحي للقارئ بذلك، فأنا من منطقة الرياض، وتكرّر ذكر المكان في رواية «سقف الكفاية»، إلى جانب إبراز بعض الأبطال السعوديين، الذين لديهم أثر كبير في العديد من المواقف، حتى في رواية «موت صغير»، فأنا ذكرت الكتاب الأشهر لابن عربي، الذي أطلق عليه «الفتوحات المكيّة»، وهذا دليل واضح على الارتباط القوي بهذه الأرض الطيّبة. تتوسع مشاركات علوان في البرامج الثقافية، إلى جانب تقديم ورش عمل فيما يتعلق بأسس الكتابة الإبداعية. فهل لك أن تحدثنا عنها؟ - في عام 2009 كنت ضيف في «ورشة إبداع»، نظمتها الـ«جائزة العالمية للرواية العربية» في جزيرة بني ياس، في دولة الإمارات، حيث إني قضيت المدة في كتابة روايتي الرابعة «القندس» حتى انتهيت من فصولها، فهي كتبت تحت مظلة أبوظبي ورشّحت تحت مظلتها ضمن القائمة القصيرة في عام 2013. وفي عام 2016 تم اختياري لأكون مشرف على 6 مرشحين لديهم أعمال، وحاولنا من خلال هذه التجربة خلق أجواء من النقاشات بشأن إنتاجاتهم الأدبية ولقاءات أيضاً، ورد فعل سريعة عن كل عمل، والهدف من هذه الورشة تشجيعهم على العطاء الأدبي، ومحاولة إنتاج فيض من الأفكار الإبداعية، وإنتاج مخزون كبير يخدم الساحة الثقافية. هل لديك طقوس معيّنة في كتاباتك، ولحظة بلوغ الفكرة وترجمتها في القالب الأدبي المتميّز الذي تقدمه للقرّاء؟ - لا أستطيع القول إنها طقوس مكرّسة أتّبعها في طريقة كتاباتي، ولكن الأفكار تأتي بشكل عشوائي، سواءً أكنت في العمل أم البيت أم المقهى، فأنا أمارس الكتابة كجزء من حياتي اليومية وفي كل مكان، لأن غالباً ما يكون الجهاز المحوّل الخاص بي متصل بالإنترنت، ما يُسهم في الاطّلاع على مرجعيات عديدة. ولكن، أشعر بأن المكان الذي يتصف بالهدوء، يزيد من مستوى إنتاج الكتابة بصورة استثنائية ومتميّزة.