القاعدة البسيطة بخصوص الزمن أنه يمر سريعاً، كم مرة نقول لأنفسنا: كأننا كنا أطفالاً بالأمس.. لكن العطل الصيفية التي اعتقدنا أنها لن تنتهي في طفولتنا لم يعد لها وجود، وكلما كبرنا صرنا نشعر أكثر فأكثر أن الوقت يمر أسرع فأسرع. هناك نظريات كثيرة حول مرور الزمن بسرعة حين نكبر. لكن أكثرها منطقية تلك التي تقول إننا حين كنا صغاراً كان في حياتنا الكثير من حالات "الأول مرة". فهناك أول مرة أذهب في رحلة، أول مرة أنام عند صديقتي، أول مرة أتعلم شطرنج، أول مرة أحب، أول يوم في الكلية، أول سيارة أشتريها.. وكل واحدة من هذه "الأول مرة" ساحرة ومدهشة ومليئة بالاكتشاف، ما يجعلنا نعير الانتباه لكل تفصيل فيها ونعيشه من قلبنا وروحنا وعقلنا وجسدنا، فتبدو كأنها تجربة لن تنتهي. وكلما كبرنا، تقل هذه المرات الأولى، وتصبح خلفنا، فنفقد الدهشة والاكتشاف، وحين تتكرر التجارب مرات ومرات تبدو كما لو أنها مكتشفة أصلا ونعرف ما الذي سيحصل فيها، وهذا ما نمسيه الخبرة، والخبرة تقتل الفرح بالتجربة وتجعلها تنتهي سريعاً. وهذا أمر نعيشه في الرحلات، حيث تبدو الأيام الأولى من السفر بطيئة فيها الكثير مما ينبغي فعله وتعلمه في البلد الجديد، وفجأة يطير النهار بسرعة وتنتهي الإجازة ونقول لبعضنا: لم نشعر بها كيف انتهت.. ومعظم الذكريات التي نحتفظ بها تكون من الأيام الأولى. وذلك لأن الأمور تصبح مألوفة في آخر أيام الإجازة، ونكون اعتدنا على المكان. في إحدى دراساته يصف الباحث في مجال علوم الأعصاب ديفيد إيغلمان الوقت بأنه "شيء مطاط"، يتغير شعورنا به وفقاً لمدى قربنا وبعدنا وارتباطنا بالتجربة التي نمر فيها. بمعنى آخر فإن الوقت يصبح أبطأ كلما فكرنا في تفاصيل ما نفعل وما نعيش، وفكرنا في الناس الذين معنا، لأننا بذلك نلاحظ أكبر كمية من التفاصيل في وقت قصير، وهذا يجعلنا نشعر أن الوقت أطول مما هو عليه حقاً. ولكي يثبت ذلك، يورد الباحث التعرض لحادثة سيارة مثالاُ، فيقول، لماذا حين تحدث لأحد منا حادثة سيارة، يظل يتذكرها كأنها وقعت بالأمس وكأنها أخذت وقتاً طويلا جدا من حياتنا، ويرى أن الإجابة هي في أن التعرض لحادثة سيارة لا يتكرر كل يوم، فهو على الأرجح يحدث مرة في العمر ونتيجة للتدقيق في التفاصيل وتذكر كل شيء مراراً وتكراراً تتغير علاقتنا بوقت هذه الحادثة، لأن العقل يفكر بها مراراً وتكراراً، فتبدو كأنها لم تنته. من هنا، يبدو إبطاء الزمن هو أمر في يدنا، وإلا لماذا تمر أيام تشعرين فيها انها بطيئة جداً وأن اليوم لا ينتهي، في حين تشعر صديقتك أن اليوم نفسه طار منها ولم تفعل شيئاً؟ يقولون إن أحد المتصوفة كان يمضع حبة الزبيب عشرين مرة قبل أن يبلعها لكي يمرن نفسه على قيمة الأشياء مهما كانت صغيرة في العالم، ويقولون إنه تمرين صعب جداً لكنه مهم إن كنا نريد أن نتعلم إبطاء الوقت من خلال التمتع بالتفاصيل وإدراكها. من الوسائل الأخرى التي تبطئ الوقت المشي في الطبيعة وتأمل الأشجار والإصغاء لصوت الطيور ومراقبة أمواج البحر، والقدرة على التفريق بين الأصوات التي تأتي دفعة واحدة في الطبيعة، فهذا عصفور وهذا صوت حفيف الأشجار وهذا سيارة مسرعة... إلخ من الأمور التي تبطئ الوقت أيضاً كتابة اليوميات والذكريات، ففي مثل هذه الوقت من سنة كذا حدث معي كذا كذا وشعرت بهذا الشعور... اكتبي أيضاً عن موت أحد أثر بك كثيراً، وعن ولادة طفل أثرت بك كثيراً. اكتبي عن إنجازات قمت بها وتجعلك فخورة بنفسك. اكتبي رسالة امتنان لشخص له فضل عليك. اكتبي عن شغف جديد تشعرين به. تعلمي لغة جديدة أو هواية مثل العزف أو ركوب الخيل أو لعب رياضة ما.