من حلب إلى ألمانيا فرّت المراهقة السورية نوجين مصطفى تدفعها شقيقتها طول الطريق على كرسيها المتحرك. عبرت تركيا وبلاد البلقان، قطعت أكثر من ستة آلاف كيلو وثماني دول، وتحولت في نظر كثيرين إلى بطلة، ربما لا تذكر كثير من وسائل الإعلام حتى اسم شقيقتها، نسرين، التي ظلت تدفع الكرسي طيلة الطريق، لكنها أيضاً تستحق أن يسلط الضوء عليها، فهي لم تتخل عن شقيقتها المقعدة أياماً وليال من الإنهاك والمشي. مؤخراً صدر كتاب يحمل اسم نوجين، وضعته هي والصحافية البريطانية كريستينا لامب التي كتبت قصة "أنا ملالا". المفارقة أن تجربة اللجوء سمحت لها للمرة الأولى أن ترتاد المدرسة وأن تتنقل بسهولة من البيت إلى حيث تشاء، بعكس ما كان عليه وضعها سابقاً، حيث كانت حبيسة البيت بسبب صعوبة النزول والصعود من الطابق الثالث في حيّ الأشرفية الشعبي في حلب. كانت نوجين تعرف العالم عن طريق التلفزيون فقط، واستطاعت من خلاله أن تُكَوِّن ثقافتها الخاصة وتتعلّم اللغة الإنكليزية عبر متابعتها المستديمة للمسلسلات العاطفية الأميركية والأفلام الوثائقية. ولدى تقديمها لكتابها مؤخراً في معرض الكتاب في ميلانو، قالت عن تجربتها "كلما وصلنا إلى محطة حدودية كان هناك من يريد أن يساعدنا، وآخرون كانوا ينظرون إلينا بازدراء ويتمنّون لو أننا نختفي من الوجود. أعتقد بأنهم كانوا يشعرون بأحاسيس متناقضة ولا يعرفون كيف يجب أن يتصرفوا تجاهنا. أما أصعب اللحظات التي مررنا بها فقد كانت في جزيرة ليزبوس اليونانية بانتظار الحصول على وثائقنا. كنا ننام في خيم تحرسها الكلاب البوليسية. ثم قضينا يوماً في السجن أيضاً". تقول "في البداية كنت منفعلة كثيراً عندما اقترحوا عليّ سرد قصتي بمساعدة صحافية. وبينما كنت أتكلّم عن نفسي، كان يتملّكني الإحساس بأنني أروي أشياء مُمِلّة" وتكمل "شكّلنا أنا وهي فريقاً ممتازاً، ووافقتُ على نشر هذا الكتاب لأنقل إلى الآخرين ذاك الذي يحسّ به المرء عندما يشعر بأنه مجرد رقم. ولكنني صغيرة في السن، وأتمنى أن الناس عندما يقرؤون قصتي هذه سيتفهّمون ماذا يعني أن تجد نفسك فجأة محاطاً بالموت والدمار، وترى أحبّاءك يرحلون الواحد تلو الآخر. لقد بذلت كل جهدي لأنقل هذه المكابدة إلى الآخرين".