أتذكر ونحن صغاراً، حين كانت تأتي الأخت الكبرى المتزوجة غاضبة من زوجها وتاركة له بيت الزوجية لخلاف دب بينهما، فيقوم الوالد بعد سماعها في اليوم الثاني بإعداد عزومة كبيرة لزوج ابنته فيستجيب الزوج وبعد الغداء وأكل الحلوى أو الفواكه، يقول الأب لابنته: قومي وادخلي الغرفة وتعاتبي مع زوجك وما تخرجون إلا على بيتكم وأولادكم بإيديكم.   كان الكل يستمع والكل يستجيب وبربع ساعة ينتهي الخلاف في حياة كلها بساطة وكنت أرى زوج أختي يخرج بعد تصالحه مع زوجته فيقبل رأس ويد حماه (والد زوجته) ويقول: سامحني يا عمي. فيرد الأب: بنتي عندك أمانة وانا واثق إنك ستحافظ عليها. ويلتفت لابنته (الزوجة) ويقول: هذه آخر مرة أراك تتركين بيتك، خلافاتك حلوها سويا لأن زوجك سترك وغطاك وأطيعيه وكوني معه كما تتعامل والدتك معي من 40 سنة ما تركت البيت يوماً ولا طلبت الطلاق رغم أن كل البيوت لا تخلو من الخلافات. وقد لا تعود الزوجة بالسنوات لترك البيت أبدا وتصبر وتحتوي وكذلك الزوج في احترام متبادل بين الجميع والكل يعمل ألف حساب للأب العاقل والأم الحنونة على زوج ابنتها أكثر من حنانها على ابنتها.   قلت في نفسي: أين هؤلاء الجيل اليوم؟ إننا نعيش اليوم أزمة اجتماعية كبيرة مع آباء هم أول من يشجعون الابن والبنت على الطلاق بل واحيانا يرغب الزوجين بالعودة ولكن الآباء من العائلتين يحاربون الزوجين ويسعون للتفريق بل والتهديد بالدعاء على الابن أو البنت إن لم تطلب الطلاق وبعض الآباء يقول لابنه: أنا سأتبرأ منك إن لم تطلق أم عيالك.   يا حسرة على العباد... أقولها بصدق إن كثير من الآباء بهذا العصر يحتاجون هم قبل أولادهم للتوجيه والنصيحة والتربية النفسية. إنهم لا يعيرون بالا لوجود الأبناء، إنهم يريدون الانتقام لأنفسهم من زوج البنت أوزوجة الابن ربما بسبب كلمة أو موقف غير مقصود، ومع الأسف قد ينجرف بعض الأبناء المتزوجين لطاعة الوالدين في تطليق أم أولاده ظنا منه أن ذلك الطلاق هو من البر بأبويه،وهذا فهم عقيم لنصوص الشريعة، فالأب والأم يطاعان في كل شيء ما عدا الشرك بالله أو قطع الأرحام وتشريد الأبناء. تقول إحدى الزوجات: طلقني زوجي بالمحكمة غيابيا من عامين لمجرد أني طلبت منه يسمى ابنتنا المولودة على اسم أمي فقامت الدنيا ولم تقعد وقررت حماتي أن تقلب زوجي ضدي وتمحوني من حياته فألفت واختلقت وكذبت حتى طلقني قائلا لي ومبررا :الأم لا تعوض والزوجة بدل منها ألف زوجة.   هل هذا شرع؟ هل هذا عدل؟ مع أن الشرع يقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق..وتطليق الزوجة بدون أسباب شرعية واضحة يعد جريمة معصي وظلم ولا علاقة له بالبر.   أيها الآباء كونوا كأجدادنا يحنون ويتبسطون ويعفون ويصفحون عن زوج البنت أو زوجة الابن، وتذكروا أن لديكم بنات سيتزوجن وكما تعاملون بنات الناس ستعامل ابنتكم لأنه كما تدين تدان.   لا تتدخلوا في خصوصيات أبنائكم وبناتكم بعد الزواج، وإن طلب منكم التدخل فليكن بالعدل والإنصاف، والله ما وقف أب في صف زوج ابنته إلا وأكرمت ابنته من زوجها احتراما لقدر أبيها، وما مال أب ظلما لصف ابنته إلا وطلقت لتكون عالة عليه بأولادها ببيته والجزاء من جنس العمل.   ليكن لكم في الرسول الكريم القدوة الحسنة عندما كانت تشتكي له "فاطمة الزهراء" ابنته خلافا بينها وبين زوجها "علي" فما يكون من الأب الرحيم إلا أن يذهب لزوج ابنته حين يراه نائما بالمسجد وقد أصيب ثوبه وجنبه بتراب المسجد من أثر النوم فيقول له صلى الله عليه وسلم مداعبا وملاطفا مبتسما: قم يا أبا تراب فيبتسم علي...فيأخذ النبي بيده ويذهبا لبيت ابنته فاطمة ليصالحهما لا ليطلقهما ويقول كلمته الخالدة ناصحا كل زوجة: زوجك هذا جنتك ونارك .. ويقول عليه الصلاة والسلام لكل زوج: استوصوا بالنساء خيرا. ورفقا بالقوارير،،،