لا بد أن ارتعبنا، ولو مرة في حياتنا، في ليلة ليلاء إثر رؤية مصدرَي ضوء لامعَين يشعان شرراً في زاوية معتمة من شارع مظلم أو حديقة البيت، ثم تنفسنا الصعداء بعدما أدركنا أن النقطتين المشعتين لم تكونا غير عيني قطة مسالمة وديعة، لا تضمر لنا أي شر. وحتى مخرجو أفلام الرعب غالباً ما استغلوا ذلك البريق المقلق لإقحام مشهد هلع سهل التنفيذ، ولا يتطلب حيلة سينمائية معقدة، بما أنه في حد ذاته ناجم عن «حيلة» بصرية، مثلما سنرى. فلماذا تلمع عينا الهر في الظلمة؟     عند الحيوانات كلها، والإنسان أيضاً، يتوسع بؤبؤ العين في العتمة لالتقاط أكبر كمية ضوء ممكنة. ولمعان عين القط متأتٍّ من وجود مادة «ريبوفلا?ين» المشبعة بالفلور، ما يجعلها فسفورية، تلمع في الظلام. تلك المادة تنتشر على الخلايا العاكسة المكوِّنة لما يسمى «طبقة سيتلر الشبكية» (نسبة إلى مكتشفها، العالِم Settler). ولا يختلف اثنان على أن مجرد نطق عبارة مثل «خلايا عاكسة في طبقة سيتلر الشبكية» يبدو أمراً مرعباً في حد ذاته. في أي حال، تمتلك فصيلة القطط، خلف العينين، نظاماً خاصاً لتكثيف الصور، يدعى «البساط الضوئي». ويُعدّ ذلك البساط بمثابة مرآة تتيح عكس أكبر كمية ضوء نحو خلايا الشبكيتين. والضوء المنعكس هو ما نراه ليلاً، فيثير فينا الفزع. وبفضل ذلك النظام الضوئي، تستغل القطة أي مصدر ضوء، مهما كان طفيفاً، لرؤية ما حولها. والظاهرة نفسها تنطبق على الأسود والنمور والفهود، وأجناس الفصيلة القطية جميعها، فضلاً عن حيوانات أخرى عديدة. فتلك المخلوقات ترى في العتمة أفضل منا بثماني مرات... الله يسامحك يا سيتلر. أما بعض البشر، فأحياناً لا يرون أبسط الأشياء لا في الليل إنما حتى في وضح النهار، عندما تعميهم أنانيتهم أو عصبيتهم أو كراهيتهم، أو على العكس ولعهم. وثمة هُوة كبيرة بين البصر والبصيرة.