تزخر المجلات النسائية، الشرقية منها والغربية، بهذه النصيحة الحكيمة القوية: «سيدتي، ارتدي ثياباً سوداء لجعل قوامك يبدو أنحف وأرشق». الحياة بالأسود أقل سوداوية في عيون المهووسين بالرشاقة والمهتمات بالقوام. ولا يزال العلماء عاجزين عن تفسير ظاهرة بصرية غريبة: ارسم مربعين متساويين، وفي مركزيهما، ارسم مربعين أصغر، متساويين أيضاً. دع المربع الداخلي الصغير الأول مثلما هو، ولوِّن المربع الصغير الآخر بالأسود. ثم تمعنهما عن بُعد: ستجد أن الأخير، المطلي بالأسود، يبدو أصغر، بينما تعلم يقيناً أنه مساوٍ للآخر، بما أنك رسمته بنفسك وبالأبعاد نفسها، بالتالي يفترض أن انعكاس صورتي كل من المربعين يشغل حيزاً متساوياً في شبكية العين. وذلك هو المحير في الأمر. فلماذا ينحـِّف السواد «المربعات»، بل حتى الرشيقات الطويلات، يجعلهن يبدون أنحف؟   يقول الفيزيائيون إن الأسود أكثر لون امتصاصاً لموجات الطيف الشمسي، بأطوالها المختلفة كلها، الدقيقة منها والغليظة. هكذا، عندما تتبختر عارضة أزياء برداء أسود، تتركز الأنظار على ما حوله: وجهها وذراعاها وركبتاها، والاكسسوارات المزينة بها، إن وجدت. الآن، لنفترض أن الـ«مانيكان» ذات النحافة الـ«هيكل عظمية» استبدلت بآنسة أقصر منها بشبر أو أكثر، وأعلى منها وزناً بـ20 كيلوغراماً أو أكثر. أتعرفون ماذا؟ الظاهرة نفسها تحصل. ففي هذه الحال أيضاً، يفعل الرداء الأسود فعلته، فيصرف النظر عنه بامتصاص موجات الطيف كلها، ويجعل الأنظار تتركز على ما حوله، فتبدو الآنسة المكتنزة أرشق مما هي عليه. وطبعاً، يعلم الجميع أيضاً أن الأبيض، على عكس الأسود، يعكس موجات الطيف الشمسي، ما يفسر شيوع ارتدائه في البلدان الحارة، إذ يبدو «أبرد» من نقيضه الأسود. أما لماذا «تنحّف» الخطوط الطولية العمودية، بينما «تُسمِّن» الخطوط العرضية الأفقية، فهذا بحث آخر، سنأتي على ذكره في العدد المقبل، لا تستعجلوا.