مَن منّا لا يتذكر أنّ أول مُفردة تَفوّه بها في نُعومة أظفاره كانت «ماما»؟ طبعاً، لا أحد يتذكر تلك اللحظة الجميلة، إنما أمه هي مَن تذكره. ومن لم ينتبه إلى أن كلمة «ماما» متشابهة في معظم لغات العالم؟ الجواب عن الشق الأول من السؤال بديهي. فالأم هي أول إنسان يتعلق به الطفل ويحبه. ومُناجاة مَن نحب أمر غريزي. ويظل موقع الأم من الإعراب مُقدَّماً لفظاً ومَحَلَّاً، جملةً وتفصيلاً. لكن المحيّر هو ذلك التشابُه اللفظي للمفردة في أكثر لغات العالم: «ماما»، «مام»، «مامي»، «مامان»، «أمَّا»، «يُمَّة».. إلخ.     فمثلاً، «أكل، يأكل» من الأفعال الحيوية أيضاً في حياة الطفل. على الرغم من ذلك، يُقال manger بالفرنسية، وcomer بالإسبانية، وeat بالإنجليزية.. إلخ، أي بشكل مُغاير تماماً لفظاً. وهذا في لغات أوروبية متشابهة الأصول. فكيف الحال مع السواحلية والپاپوازية والكورية والفيتنامية والصينية؟ ربما، في هذه الأخيرة، شيء من قبيل «تشيانغ هو هان». أما «ماما»، فتظل متشابهة. لماذا؟   في الواقع، الرضَّع أنفسهم هم من أوجدوا مفردتي ماما وبابا، أو «پاپا». ولشد ما تغنوا بهما وتناغوا، في لغات الأرض كلها ومنذ الأزل، اعتمدت الكلمتان «رسمياً». وسبب اختيار الصغار لهما أنهما مركبتان من أسهل الأصوات لفظاً عندهم. فالأصوات النابعة من الشفتين واللسان أيسر قولاً عندهم من تلك الآتية من الحنجرة. هكذا، أول حرف عِلّة يتعلمونه هو الألف، وأول حرف صامت هو الميم، يليه الباء والنون. وبما أن الأم أول مَن يحبون، «استحدثوا» مفردة «ماما» لمناداتها، ثم أتت «بابا» في المركز الثاني. استثنوا الأصوات صعبة النطق على حناجرهم الغضة، كالراء والخاء، والأحرف «الصافرة»، كالشين والسين والزاي، التي، ربما لذلك السبب، تنعدم تماماً في لغات بعض الأقوام البدائية في أفريقيا وأقيانوسيا والأمريكتين. ولو كانت «ماما» تلفظ «غجستقشوردحيفخزهع»، لما حفظها الأولاد قبل الثانوية... إذا كانوا من الشُّطَّار المتفوّقين، وإلاَّ فبعد الدكتوراه.