من منا لم يرَ يوماً طفلاً رضيعاً رائعاً «يتسلى» بإسقاط أي غرض تطوله يداه؟ أي شيء لا يؤكل، كقلم الأب مثلاً، أو عدة مكياج الأم، أو منفضة سجائر العم، أو كأس شاي الجارة، أو نظارة الجدة، أو «جزدان» الخالة... حالما يظفر به الطفل الصغير، يتركه يهوي من بين يديه، ويراقب سقوطه، وأحياناً تهشمه، باهتمام محيِّر. وإذا كان الشيء تحفة خزفية لا تقدر بثمن، تعود مثلاً لعهد سلالة «بني خد نُصَّر»، فاقرأ عليها السلام، ولن ينفع أفضل صمغ لإعادة تركيبها. فلماذا يصر الرضع على إلقاء حوائجنا؟ إنهم من البراءة والطهارة بحيث يُستبعد تماماً الظن أنهم يتعمدون إغاظتنا.     السبب، في الواقع، هو نيوتن. ماذا؟ نعم، العالم الفيزيائي إسحق نيوتن. فهم لم يدرسوا الجاذبية الأرضية بعد، ولا يفقهون في قوانين التعجيل الأرضي شيئاً، ولا في نظرية الاستمرارية حرفاً. بالنسبة إلينا، الأمر بديهي: ألقِ غرضاً، يسقط بسبب وزنه، المؤلف من الكتلة مضروبة في التعجيل الأرضي. أما من منظور الرضيع، فالظاهرة جديدة تماماً. لذا، تراه ينبهر بسقوط الأشياء، ويتعجب أيضاً عندما يتهاوى، هو نفسه، حين يلاعبه «عمو» أو «خالو» برميه نحو الأعلى والإمساك به من الإبطَين عند «عودته» إلى الأرض. يجد الأطفال الأمر سحرياً.   ففي مخيلة الصغار، ينبغي أن تكون الأشياء ساكنة. لذا، للتأكد من أنهم «فهموا»، لا يملون من تجربة إسقاط أي شيء، ولا يكلّون. يكررون الأمر إلى أن «يدخل في مخهم» نهائياً. إنهم أبرياء، لكن... ذرائعيون، لا يصدقون إلا ما يرونه. والجاذبية تجذبهم.