يُطلق لقب الـ«بوية» على الفتاة المسترجلة، التي تُقلّد الذكور في لباسها وسلوكها، وتتعامل بفظاظة مع محيطها، وربما يتطور الأمر إلى سلوكيات أكثر خطورة. فلماذا تُتمرد البنت على فطرتها؟ نجد إحدى الإجابات في اعترافات حمود، وهو اسم حركي لفتاة تنتمي إلى واحدة من مجموعات هؤلاء الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي، دخلت عالم الـ«بويات» في البداية تمرّداً على أسرتها ومجتمعها، وكانت تفضّل ارتداء القمصان الواسعة والسراويل الغامقة، تشبّهاً بفتيات كنّ يحظين بشعبية كبيرة في المدرسة. الدكتور علي القحيص (إعلامي سعودي، مؤلف كتاب «المسترجلات»)، يقدّم رؤية متكاملة للأسباب التي تدفع الفتيات إلى هذه السلوكيات، ومنها: «أسباب مرضيّة ونفسية واجتماعية، غياب التوعية في المدارس والجامعات والمساجد، انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وغياب دَور الجدّات، فقد كانت الجدة في الماضي بمثابة الـ«ترمومتر» في المنزل، تراقب حركات البنت، وإذا وجدت أي سلوك مستهجَن تخبر الأم. هذا الدور تم تغييبه في زمننا الحالي بحجّة أن هذا الجيل لا يقبل النقد، وأصبحت البنات أكثر جرأةً، ما ساعد على زيادة الانحرافات السلوكية داخل الأسر، ومنها مشكلة البنات المسترجلات. ويشير د.علي القحيص إلى أن بعض الأمهات لا تشغل بالها ولا تراقب حركات ابنتها، ولا مظهرها الذي يأخذ في التحول والأم في غيبوبة. وبعض المسترجلات لم يعدن يخشين نظرة المجتمع. أما الدكتور جاسم المرزوقي (استشاري الطب النفسي في مستشفى الأمل في دبي)، فيربط المسألة بالدور السلبي للمجتمع الذي لم يعد يستنكر هذه السلوكيات ما ساعد على انتشارها. والعامل الثاني هو أنّ وجودهنّ أصبح له حضوره في العالم الافتراضي من خلال المنتديات والتطبيقات المتوافرة على الأجهزة الذكية، وبالتالي لم تعد البنت ترى في ما تفعله سلوكاً غير مرغوب فيه. وهناك أيضا حالة الخواء الذي تعيشه الأسر، سواءً أكانت متعلقة بمشكلات يعانيها الأفراد أنفسهم، أم حالات التفكك الأسري التي تنعكس سلباً على الأبناء، عدا حالات الاغتراب المجتمعي، وعدم إدراك المعاني الحقيقية لمفهوم الثقافة والعادات والتقاليد، بالإضافة إلى عدم وجود قانون يردع هذه الفئة. ومن رأي منى شوشان (أخصائية نفسية واستشارية أسرية في دبي) أن الفتاة مرآة لأسرتها، فعندما تبدأ الفتاة في التصرف بشكل رُجولي، ولا تلاحظ الأم كل هذه التغييرات، فمن الطبيعي أن تتمادى الفتاة في سلوكها وترتكب المزيد من التجاوزات. ويشير الدكتور عبد العزيز العساف (أخصائي نفسي في دبي) إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة مفتوحة لكل الممارسات، ومن خلال متابعة هؤلاء الفتيات لهذه المواقع، أصبحن على دراية بأن المجتمع الدولي ينتقد التضييق على أي سلوكيات من هذا النوع، باعتبارها مِن قَبِيل الحرية الشخصية. ودور المدرسة مهم، في رأي خميس عبد الله (أخصائي اجتماعي في وزارة التربية والتعليم)، لكن دور الأسرة يبقى هو الأهم. ومن رأي الدكتور يوسف علقم (خبير تربوي سابق في وزارة التربية والتعليم أنّ بعض الفتيات يلجأن إلى هذا السلوك بغرض الانتقام من الأسرة. ودور الإعلام في التأثير في البنات، هو ما تلفت إليه عايدة القمش (إعلامية، سفيرة النوايا الحسنة للمرأة والطفل في العالم العربي، وسفيرة من قِبل منظمة الأمم المتحدة العالمية للرعاية والسلم والإغاثة) في سياق تعقيبها على الموضوع. فالإعلام مسؤولاً عن جزء من المشكلة من خلال تركيز الأضواء على هذه العينّة من النجمات المسترجلات. من وحي وجهات نظر الأهل، تقول سعاد محمد (رئيسة القطاع الاقتصادي في «الاتحاد العربي للمرأة المتخصصة»، التابع لمجلس الوحدة الاقتصادية في جامعة الدول العربية)، أن الخطأ الكبير الذي تقع فيه كثير من الأمهات هو عدم رقابة البنت في البيت. وافتقاد البنت لحنان الأم ربما يدفعها إلى البحث عن هذا الحنان لدى أخريات. وترى مريم بوشليبي (موظفة) أن هناك ثلاثة أطراف شركاء في المسؤولية عن ظهور مثل هذه الحالات هي المدرسة والجامعة والبيت. وتُحذّر شيخة المدحاني (موظفة) من القبول المجتمعي لهذه الفئة. وتشير إلى سبب آخر وهو قيام وسائل الإعلام بتقديم نماذج لفتيات مسترجلات، باعتبارهنّ نجمات في عالم التمثيل والغناء وتتأثر البنات بهذه الشخصيات ويقمن بتقليدها.