نسمع آباءنا وأمهاتنا يتحدثون عن هيبة المعلّم، بعض الأسر تتذكر كيف كان التلاميذ يغيرون طريقهم إذا رأوا الأستاذ واقفاً أو سائراً في هذا الطريق نفسه، احتراماً منه وخوفاً من هيبته. كان الأستاذ في الخمسينات والستينات وحتى مطلع التسعينات من القرن الماضي، له هيبة أساسها ليس الضرب، ولو أن وسائل عنيفة كانت تستخدم آنذاك. لكن الهيبة كان أساسها أن هذا الشخص هو مصدر المعرفة، وهو الذي يعرف إجابات الأسئلة، والذي يعلّم التلاميذ ما لا يعرفون. وكان يساعد الأستاذ على هيبته الأسرة نفسها، والتي تقف في صفه وترفض أن يتذمر الطفل أو المراهق في البيت، وتعاقبه إن تحدث بأي سوء عن أستاذه، وكان أساس احترام العائلة، الشعور بالامتنان والتقدير والاحترام لمعلم يقضي ساعات طويلة في اليوم يعلّم أبناءهم ويعدّهم للمستقبل. وكان التلاميذ حين يشتكون من المدرسة، أو تستدعي الإدارة الأسرة، يبدؤون بالاعتذار عن ولدهم أو ابنتهم، وكانوا يستخدمون تعابير تمكّن الإدارة من تربية ابنهم وردعه وتمنح المدرس الشعور بالثقة والأمان والسلطة أيضاً. قد يكون لهذا الأمر سلبياته، لكن حالات العنف المدرسي كانت نادرة، وكان الأساتذة أيضاً يحترمون سلطتهم ويحبون تلاميذهم وكان العقاب ليس متطرفاً ولا متجنياً إلا فيما ندر. لكن الأمر الآن مختلف تماماً، وقد بدأ كل هذا بالتغير وفقد الأستاذ هيبته شيئاً فشيئاً مع ظهور المدارس الخاصة، وتردي حالة المدارس الحكومية في بلادنا، فقد أصبح التلميذ هنا ليس طالباً للعلم، بل زبوناً للمدرسة، ولذلك ينبغي إرضاؤه بشتى الطرق. فيمكن للتلميذ أن يتطاول على أستاذه، وتقف الأسرة في صفه، ولا يستطيع المعلم أن يضع علامة حقيقية أو أن يرسّب طالب متأخر في أي مادة، لأن هذا يعني تطفيش الزبون إلى مدرسة أخرى وتقليل نسب الأرباح. أمس قرأنا خبراً عن معلمة رفعت قضية على تلميذها في مدرسة جزائرية، بعد أن أهانها وضربها وشتمها، لجأت المعلمة إلى إدارة المدرسة التي تجاهلتها، فاضطرت إلى رفع قضية تأخذ حقها وتمكنها من الاستمرار في العمل مدرسة دون أن تشعر بالظلم والمهانة. ربما تكون هذه حالة نادرة، فقلما تجرأ معلم أو معلمة على التصريح بأنه يتعرض للمهانة من التلاميذ، فكيف بهذه المدرسة وهي تتحلى بالشجاعة لتلقن التلميذ والمدرسة والعائلة درساً، وتطلب من القضاء أن ينصفها. إنه فعلا أمر محزن. حالات مماثلة نسمع بها عن ضرب المعلمين والمعلمات في السعودية والأردن ومصر وغيرها من البلدان، والسبب هو الأسرة بشكل أساسي، فقد أصبحت الأم حين ترى علامة متدينة أو تسمع ان طفلها تمت معاقبته، تذهب إلى المدرسة وتجعل من الأمر قصة كبيرة وتلزم الإدارة بالاعتذار وتهدد بنقل ابنها (الزبون)، والمعلم يشعر أنه بلا أي سلطة لتربية هذا الطفل، لقد سحبت منه كل أدوات التربية، لا يمكنه أن يهدد بالعلامات أو الرسوب أو العقاب بأي شكل. هذه قضية تحتاج من العائلة والمدرسة أن تتوقف عندها في مجتمعاتنا، وأن تعيد الاعتبار للمدرسة بوصفها السلطة التربوية الثانية على الطفل بعد العائلة. وأنتم أعزائي قراء وقارئات "أنا زهرة" ما رأيكم في هذه القضية؟