مَن منّا لم يطلب يوماً صحن «فرينتش فرايز»؟ عند الكثيرين، لا يكتمل الـ«فاست فود»، المسمَّى أيضاً من باب الذَّم «فات فود» و«فاسد فود»، إلا مع قطع البطاطا المستطيلة المضلّعة تلك، المغمّسة بزيت مغلي. لكن تلك المقالي الفرنسية فريت Frite بلغة بودلير" اسم على غير مُسمَّى. فالبلجيكيون هم مخترعو طهو البطاطا بهذه الطريقة الدسمة، وليس الفرنسيين. وفي واشنطن، في 2003، اقترح المحافظون الجدد، حذف صفة الفرنسية، واستبدالها بـ«ليبرتي فرايز» بطاطا «الحرية»، انتقاماً من موقف فرنسا آنذاك، بعدم مشاركتهم حربهم المدمّرة للعراق. على أي حال، ما الذي دعا البلجيكيين إلى استنباط الـ«فريت»؟ بعدما جلب المستعمرون الأوروبيون البطاطا من أمريكا، كانت بلجيكا سبّاقة في تناول الغلّة الجديدة، مسلوقة أو مشوية أو مهروسة. فصحيح أن العالم الزراعي الفرنسي أنطوان پارمانتيي Parmentier هو أهم مَن طوروا تلك النبتة، لكن أهالي إسبانيا وبلجيكا وبروسيا في ألمانيا هم أول من اعتاد استهلاكها في أوروبا، منذ القرن الـ16. من جانب آخر، عهدت مدينة «نامور» البلجيكية على إحياء «عيد القلي» سنوياً، باصطياد أسماك صغيرة (حَرَش) من نهر «لا موز» المار فيها، ورميها في الزيت المغلي لمتعة التهامها حارة، بالعشرات. لكن، في شتاء ما في القرن الـ17، تجمّد النهر، فاستحال صيد سمكه. ففكر «منظمو الحدث» بتقطيع البطاطا بذلك الشكل الطولي الرفيع، ثم غليها بالزيت والتهامها حارّة، بالعشرات أيضاً، تعويضاً عن السمك المتجمد في قعر «لا موز». وهكذا ولدت البطاطا المقلية، التي ورد ذكرها مدوناً في وثيقة لأول مرة عام 1781. واليوم أصبحت البطاطا المقلية اشهر وجبة، إذ لا تمضي لحظة من دون أن تُذكر أو تُطلَب في مكان ما من العالم، أو تُطبَع على فاتورة في مطعم للوجبات السريعة.