تخيلي أن يتسبب قرار تعيين "خاطئ" أو ليس في مكانه لمعلمة في إحدى المدارس في طلاقها أو خراب حياة أبنائها أو حتى في وفاتها أو وقوع حوادث خطرة لها على الطرق. أجل هذا يحدث فعلاً في السعودية، ولأسباب غير واضحة، ستجد معلمة ابنة الرياض وقد تعينت في الإحساء، ومعلمة ابنة الإحساء وقد تعينت في الرياض. ستجد أيضاً معلمات تسببت تعييناتهن البعيدة في مشاكل أسرية أدت إلى طلاقهن، أو إلى خسارة وظائفهن التي انتظرن التعيين الرسمي فيها سنوات طويلة. ستجد أيضاً من تعاني من المشاكل الزوجية، والتي تضيع حياتها في السفر ساعات طويلة على الطريقة روحة وجيئة وصرف ما قد يصل إلى ثلث راتبها على مواصلات السفر اليومي من مدينة إلى أخرى في المملكة. هذه القضية يعاد فتحها اليوم مع صدور دراسة أجرتها شركة متخصصة في التعليم، والتي تقول إن متوسّط المسافة التي تقطعها المدرّسات المغتربات في السعودية لبلوغ مدارسهن، تصل إلى 70 كيلومتراً. وتدفع المدرّسة الواحدة لسائق وسيلة نقل جماعية نحو 1700 ريال سعودي (453 دولاراً أميركياً) شهرياً كمتوسط، وهو ما يعادل 20% من أصل الراتب الذي تتقاضاه. ولا يقتصر الأمر على التعب والإرهاق فحسب، بل يتجاوزه أحياناً ليصل إلى حدّ الموت. خلال السنوات الماضية كان أكثر ضحايا الحوادث المرورية من المدرّسات. وقد أظهرت دراسة أجرتها إدارة المرور السعودية أن أكثر من 35% من ضحايا السعودية في الحوادث المرورية هم من المدرّسين والمدرّسات، وأن 28% من هؤلاء الفئة هم من المدرسات. وبلغت حوادث المدرّسات في العام الماضي 418 حادثة، كل هذا وسط صمت من إدارة التعليم ووزرائها المتلاحقين. وتطبق على المدرّسات اللواتي يتعرّضن لحوادث مرورية في أثناء توجههن إلى مدارسهن أو العودة منها، التعويضات المالية في حالة الوفاة أو إصابة العمل، والتي لا تتجاوز 100 ألف ريال (نحو 27 ألف دولار). وفي تقرير نشرته صحيفة "العربي الجديد" اللندنية اليوم، تكشف إحدى المعلمات هدى الزهير أنها تستيقظ عند الساعة الثالثة فجراً، وتستقل حافلة صغيرة متهالكة لقاء ألفي ريال (533 دولاراً) شهرياً، لتصل إلى مركز عملها قبل الساعة السابعة بقليل. معظم هؤلاء المعلمات يغادرن بيوتهن قبل الفجر ويصلن إليها قبيل المغرب.. فهل تلتفت وزارة التعليم إلى 63 ألف مدرسة سعودية تعاني الأمرين لكي تقوم بواجبها، وتصحح أخطاء التعيينات؟