رحلت الفنانة المعمارية العراقية البريطانية زها حديد، أمس الخميس، إثر نوبة قلبية في مستشفى ميامي، حيث كانت أُدخلت إليها منذ أيام لتلقّي العلاج من التهاب رئوي. انتهت سيرة حديد اليوم (1950 – 2016)، بينما تواصل موجوداتها المعمارية حياتها في شمال العالم وشرقه وغربه، من روسيا إلى الصين وحتى نيويورك وبريطانيا، مبانٍ وأبراج وملاعب ومتاحف ويخوت وأعمال فنية، هذه العلامات أو المقولات البصرية تشبه شخصيتها قوية وخارجة من الواقع وعليه، عوالم مستقبلية وثائرة. تأثرت حديد بأعمال الفنان الروسي مالييفتش، وانتمت في خطوطها إلى المدرسة التفكيكية في الفن، متأثرة بالمدرسة السوبرماتية "التفوقية" والبنائية الروسية في بداياتها في السبعينيات، حين كانت طالبة المعماري اليوناني إيليا زنغليس، والهولندي رم كولهاس، في "الجمعية المعمارية البريطانية" (1977) قبل أن يصبحا شركاء لاحقاً. وتعمل في الوقت نفسه أستاذة في "الجمعية المعمارية البريطانية" لمدة 13 عاماً بعد تخرّجها، واصفة إياها بالسنوات المؤثرة. لم تكن حديد ترى في ضرورة التفكير في المعمار على نحو مستطيل، بل كتكوين انفجاري، وحين كانت تقول لرفاقها أريد فضاء يثور من الأرض، كانوا يعتقدون بشاعرية أفكارها وبعدها عن الواقع، لكن زها المرأة هي فقط التي كانت تفهم واقعية ولادة الفضاء من الأرض، وهي الوحيدة التي استطاعت أن تحول هذا إلى واقع ناجح وحقيقة على مد البصر. حصلت حديد على أرفع الجوائز المعمارية التي ظلّت حكراً على الرجال، كان آخرها الميدالية الذهبية للعمارة لعام 2016 والتي قدمها إليها "المعهد الملكي البريطاني للهندسة المعمارية"، وكانت أول امرأة تحصل عليه، ونالت كذلك جائزة "بريتزكر" في مجال الهندسة والتصميم المعماري، والتي تعادل في قيمتها المعنوية والتاريخية جائزة نوبل، وكانت أول امرأة تفوز بها وأصغر من يحصل عليها في العام 2004. لها 33 مشروعاً منجزاً في أنحاء العالم، ومشاريع مفاهيمية فنية وأخرى لم تنتهِ بعد، ومن أشهر آثارها المعمارية "متحف فن القرن الواحد والعشرين" في روما و"غوانغزو أوبرا هاوس" في الصين و"جسر أبو ظبي" في الإمارات وبرج "سيتي لايف" في ميلانو و"مركز الرياضات المائية الأولمبية" في لندن و"مركز حيدر عليف" في أذربيجان و" مركز العلوم في ولسبورج" و محطة قطار "ستراسبورج" في ألمانيا و مركز روزنثال للفن المعاصر في سينسيناتي الأميركية. في بداياتها، طُلب منها عام 1988 أن تتخيّل مستقبل برلين، وضعت سكتشات عدة للمصائر المعمارية المحتملة، جاعلة من الجدار محوراً تتعمّر على أطرافه بنايات جديدة، تتخللها ممرات مفتوحة ورحبة؛ ممرات مثل هذه إلى جانب صفات أخرى جعلت تصميماتها توصف بأنها العمارة التي تحترم المارّة. فكرت المعمارية في حدائق معلقة فوق أنفاق المترو ومراكز تجارية ضخمة تحت الأرض، وكأنها لا تريد إقلاق المكان البرليني بالمشهد التجاري المعتاد. وإن كانت الفكرتان لم تتجسّدا على أرض الواقع في المدينة الألمانية، لكننا سنرى لاحقاً انعكاساً لهما في تورونتو ونيويورك. عمّا كان يعتمل في رأسها خلال 13 سنة، عملت فيها أستاذة في "الجمعية المعمارية البريطانية" بعد تخرّجها، واصفة إياها بالسنوات المؤثرة، تقول "كل ذلك الهراء الميتافيزيقي تحوّل إلى ما أسميه الواقع المحسوب، كنا (المعماريون) نشعر أن هناك شيئاً سيحدث، أننا سنكتشف شيئاً أن هناك طاقة عظيمة في الأرجاء، مثل طنين مجهول على السلالم وفي الغرف وفي الشباب الطائش وفي الموضة، كان الجو مشحوناً بالتمرّد على كل شيء، لم يرد أي أحد أن يكون عادياً".