ربما قد مر بالكثير منا مواقف اجتماعية قمنا فيها بدور المصلح بين صديقين متخاصمين أو أخوين متباعدين أو زوجين على وشك الانفصال. وأحيانا تنجح محاولات الاصلاح وأحيانا لا تنجح، وكنت أنا بالأمس موضوع في هذا الموقف العجيب الذي لا ينسى والذي حاولت فيه الاصلاح للمرة الثالثة بين زوجين من معارفنا، تفاقمت بينهما المشاكل الزوجية لدرجة أنهما تفاهما على الطلاق وانتهت المسألة رغم كل محاولات الاصلاح. والسبب في هذا القرار أن الزوج مصر على تصرفاته التي أوصلت الزوجة لطلب الطلاق والمشكلة أن لديهما طفلتان الأولى: عمرها 6 سنوات والثانية: عمرها سنة ونصف. لكن القدر لعب دورا عظيما في رجوعهما عن هذا القرار وكانت قدرة الله تفوق قدرتنا، فنحن نسعى ونفكر ولكن الرب هو الذي يدبر وينفذ، فرغم وجود الخبرة الطويلة لدينا نفسيا واجتماعيا وتربويا لكنها لم تستطع خبرات السنين أن تحل العقدة بين الزوجين. ووضع الله تعالى بحكمته وقدرته الحل في دموع ابنتهما البالغة من العمر 6 سنوات والتي تدخلت بأخر لحظة كان الاب على وشك أن يرمي الطلاق على أمها بعد مشادة كلامية بينهما وارتفاع للأصوات وبينما الزوج على وشك أن يقول للزوجة : أنت(.... ) ولم يكملها بعد وإذا بمشهد هزني ولم أبكِ بحياتي وأهتز مثلما اهتززت لهذا الموقف العجيب وذلك حين فتح باب الغرفة برفق وتدخل ابنتهما الصغيرة وكلمة طالق واقفة في حنجرة الأب تكاد خطوات الطفلة تتسابق معها لتصل الطفلة أسرع وهي تجري نحو والديها وهي تردد بكل براءة : (أوعى تطلق ماما يا بابا .. أنا بحبك وبحب ماما). فقط تلك الكلمات كانت كالسيل البارد الجارف الذي أطفأ نار الفرقة وجر معه كل الخلافات وفعلت تلك الكلمات الممزوجة بدموع الطفلة ما لم تفعله خبرات السنين. لم تكتف الطفلة بكلماتها بل هزت عرش قلب والديها حين هرعت تضم رأس الوالدين بيديها الصغيرتين تحاول أن تقربهما وهي تبكي وتقول لأمها: بلاش نسافر ونسيب بابا لوحده يا ماما. والله أبكتني لما رأيت أمها وأبيها أيضا قد انفجرا بالبكاء . موقف لا تستطيع الكلمات ولا الأقلام وصفه. شعرت ساعتها أنني صغير بكل خبراتي وشهاداتي أمام تلك الكلمات والدموع التي استطاعت في ثوان معدودة أن تحل خلافا كبيرا. واستطاعت تلك الدموع أن توجه الأمر لكلمة (أنت طالق) لترجع ولا ينطق بها لسان الزوج لأنه أدرك من دخول ابنتهما في تلك الساعة وجود حكمة ورسالة ربانية واضحة. فقام الأب يحتضن ابنته ويتبادلا البكاء وهو يقول: (أنا معاكم وماما هتسامحني ومش هتسافر ومش هنسيب بعض طول العمر ما تخافيش أنا بحبك ومش هزعلكم تاني). وبتلك اللحظة أحست الزوجة فهمت الرسالة والاعتذار وأحست بصدق دموع الزوج لأول مرة بحياتها، فتراجعت عن اصرارها على الطلاق وقام الزوج بضم الابنة والزوجة في مشهد توقف فيه لساني عن التعليق ولم تتوقف عيني عن البكاء وتذكرت قوله تعالى: ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون).