كثيرون هم الأشخاص الذين يحبون السكون في الليل وألا يفعلوا شيئاً سوى الراحة، فهم غير قادرين على الإنتاج ليلاً، بينما هناك أشخاص يفضلون النوم في النهار والعمل في الليل أو يجدون أنفسهم نشيطين ليلاً ومستعدون للعمل. فما الفرق حقاً بين الاثنين؟ وهي هي مجرد عادات أم فروقات جينية؟ أجرى إحدى مراكز الأبحاث الأميركية المتخصص بدراسات واختبارات الأجنة دراسة للحمض النووي الخاص بحوالي 90 ألف شخص يفضّل منهم الصباح وآخرون الليل، وبعضهم ما بين الإثنين، اكتشفوا تأثير جينات تحدّد الوزن والمزاج وغيرها في ميل الإنسان إلى وقت معيّن من اليوم، كما تبيّن أن الإناث بالإجمال يفضّلن الصباح أكثر من الذكور، وأنّ تقدّم العمر يزيد من الإعجاب بفترات الصباح، حيث أنّ الذين يفضّلون الاستيقاظ والنشاط في ضوء الشمس هم أكثر بمرتين في الستينات من عمرهم من الذين تتراوح أعمارهم بين العشرينات والثلاثينات.   لكنّ هذه الدراسة ليست الوحيدة في هذا المجال، حيث سبقتها دراسة اكتشفت وجود جين في خلايا الإنسان وظيفته الأساسية ساعة منبّه لوظائف الجسم البيولوجية والعمليات العقلية، حيث أنّه يتحكّم بوقت إيقاظ الجسم للنشاط اليومي، فيحثّ الإنسان على الاستيقاظ إمّا في ساعات الصباح الأولى بعد الفجر أو في ساعات متأخّرة قد تمتدّ إلى الظهر، وذلك دون أي تدخّل من وقت الخلود إلى النوم، فيكون محكومًا في الغالب بقابلية جسمه للاستيقاظ، لا بعدد ساعات النوم.   يرى العلماء أنّ محبّي الصباح أكثر إصرارًا وتعاونًا من مقابليهم في تلك الفئة، كما أنّهم يمتازون بشخصية أكثر إيجابية ميّالة إلى القبول والانفتاح والتسامح. مع أنّ الباحثين أثبتوا أنّ محبّي الليل أكثر عرضة لتطوير مرض السكّري بسبب نظام الأكل العشوائي المتأثّر بنظام النوم غير العادي، بالإضافة إلى أنّهم أكثر عرضة لإلتقاط عادات سيّئة كإستهلاك الكثير للكحول والتدخين وصعوبة الإقلاع عنه، إلّا أنّ العلم أنصفهم في عدّة دراسات ذكرت مميزات صنفهم من الناس، على أنّهم بشكل عام أشخاص يطمحون لأن يتميّزوا عن غيرهم بنمط حياتهم.   تعود إحدى تلك الدراسات إلى العام 1999، حيث قام الباحثان في علم النفس ريتشارد روبرتس من جامعة سيدني وباتريك كايلونين من مركز بحوث أميركي، بجمع الكرونوتايب الخاصّ ب420 مشترك وأعطيا كلّ فرد نوعين من اختبارات الذكاء التي تقيس القدرات والمعارف المهنيّة والنظرية، واستعدادات الذاكرة والسرعة. وقد مالت النتائج لصالح محبّي الليل، ولو أنّ الفارق لم يكن كبيرًا جدًا، حيث أنّهم سجّلوا أداءً أفضل في معظم مقاييس الذكاء، كما أنّ النتائج بقيت ثابتة حتّى في أوقات الصباح التي يعتبرونها أقلّ فترة إنتاجية لديهم.   وفي دراسة أخرى حديثة العهد، أقيمت منذ سنتين في جامعة مدريد، تمّ إخضاع حوالي ألف تلميذ في عمر المراهقة لمجموعة اختبارات تقيس قدراتهم العقلية، وأظهرت النتائج أن الذين يفضّلون فترات النهار يحصلون على نتائج مدرسية أفضل كون الدوام المدرسي صباحيًّا، لكن التلاميذ الذين يفضّلون العمل في أوقات الليل هم في الواقع أذكى نظريًّا، يمتلكون حسًّا منطقيًّا استدلاليًّا أعلى، ويتمتّعون بتفكير مبدع، ويعتلون المناصب المعتبرة.