في فيديو أميركي ينشر للتوعية بالعنف الأسري، تتصل امرأة بالنجدة وتبدأ بطلب البيتزا، يحاول المجيب على الطرف الآخر أن يفهمها أنها تتصل بشرطة النجدة وليس بالمطعم، فتصر على الاستمرار بطلب مشروم أكثر وجبنة، يسألها إن كانت لا تستطيع الكلام لأن أحدا معها في الغرفة فتجيب نعم. إنها امرأة تتعرض للعنف، يبدو أن هناك شخص يضطهدها في هذه الغرفة وبعد تعنيفها يطلب منها طلب بيتزا، فتستغل هي الفرصة وتتصل لطلب المساعدة. شاهدي الفيديو على الرابط التالي: هذه المرأة طلبت المساعدة، لكن ماذا نقول عن واحدة أخرى، كانت تتلقى الضرب ثم يطلب منها زوجها إعداد الشاي والجلوس معه لمشاهدة مسلسل السهرة؟ كان ذلك يحدث على مسمع الجيران، لم يكن أحد يتدخل، وكانت المرأة تظل صامتة، وكان الجميع يكافئها على صمتها بمدحها واعتبارها نموذج الصبر والمرأة المثالية التي تحافظ على بيتها. فأين هؤلاء من هذه المرأة بعد أن أصابها زوجها بعاهة مستديمة ثم طلقها؟ كم امرأة فعلاً لم تفكر مئة مرة قبل أن تتصل لطلب المساعدة حين تتعرض للعنف من أقرب الناس إليها؟ كم امرأة تتجرأ وتقول يكفي أريد من القانون أن يحميني؟ تكافح نساء حقوقيات كل عام في بلادنا العربية لتغيير القوانين ليوفرن الحماية للمرأة، جمعيات ومؤتمرات ومطالبات، مثلما حدث في السعودية ومثلما حدث في لبنان أيضاً طيلة عام 2015، نجحت المرأة السعودية في تمرير مشروع قوانين أفضل لحماية المرأة من أسرتها، وحاولت اللبنانيات تفعيل قوانين وعقوبات أكبر بالشخص المعنف أيضاً. كل ذلك على وقع أحداث مؤلمة فقدت فيها حياتهن بسبب شقيق غاضب من زواج شقيقته من شخص لا يعجبه فيطلق عليها الرصاص على الملأ، أو زوج قرر أن ينهي حياة زوجته بعد عشرين سنة خدمة زوجية فيفرغ في جسدها الرصاص وينتظر البوليس بكل غرور وكأنه قام بعمل بطولي. تحدث هذه القصص ونتداولها كأخبار مثيرة، وقصص جريمة نحب أن نعرف تفاصيلها، ولكن كم امرأة فينا تتعرض للعنف حتى وهي في أحسن المراكز الاجتماعية؟ ثم كم امرأة منا تلجأ إلى الحماية الأسرية بالقانون؟ السؤال كبير وخطر. والإجابة ليست مباشرة ولا سهلة. النساء تخاف من اللجوء إلى القانون، تخاف أن تقف الشرطة على باب البيت بسياراتها وأضوائها الحمراء وزماميرها العالية، فماذا عن سمعة العائلة؟ ماذا سيقول الجيران؟ ياللفضيحة؟ سيقولون أحضرت الشرطة لزوجها؟ أو أخيها؟ ماذا سيحل بالأبناء وهم يرون والدهم مقتاداً بسبب والدتهم؟ ماذا سيقول أهلها عنها؟ سيقولون إنها ليست المرأة الـ "مستورة" بالمعنى الاجتماعي الأسوأ الذي يعني أن تتقبل الضرب والتعذيب والإهانة بفم ساكت. أسئلة كهذه وأكثر تخطر ببال المرأة قبل أن تلجأ إلى حماية القانون من العنف، اللوم والعقاب الاجتماعي الذي ينتظرها يردعها. الخوف من ملامة الناس والأهل يجعلها تقبل العنف يوماً بعد يوم. لا يمكننا ان نلوم المرأة على عدم طلب المساعدة، المشوار طويل إلى أن نصبح دولة تؤمن بالقانون ورجل الأمن كحامي للمجتمع وأول بنية فيه وهي الأسرة، وليس مجرد غريب أتى ليفض اشتباك أسري، سرعان ما سيذهب وتعود الأمور إلى حالها. المشوار طويل لأنه يحتاج إلى تغيير صورة الرجل والمرأة في عين المجتمع نفسه، المجتمع الذي ينظر إلى الرجل كقادر ومستطيع وصاحب حق، وينظر إلى المرأة كتابع وعاجز ومكسورة الجناح. كل يوم تطوّر دولة عربية في مؤسسات حماية الأسرة، وتزيد من فعالية القوانين، ولكن الحاجة الأكبر هو أن تقنع الأسرة نفسها بدور وأهمية هذه المؤسسات وبأنها قادرة على متابعة الحماية، وإحداث التغيير، ربما حين تدرك المرأة ويتم توعيتها بحجم وأبعاد ما تقدمه هذه المؤسسات، ربما حين يصبح المجتمع متقبلاً لفكرة لجوئها إلى القانون لا الأهل والعشيرة، ربما عند ذاك، تتصل المرأة وتطلب لنفسها المساعدة.