مسألة اليوم لا تتعلق بمسألة زوجية كما تعودنا، بل هي مشكلة لفتاة تبحث عن الشعور بالأمان بعد أن توفى والدها الذي كان الأقرب لقلبها. كان موت أبيها بسبب مرض بالقلب وبعدها بأشهر ماتت أمها بمرض في الرئة وكانت الفتاة تقيم معها بالمستشفى مرافقة لها. وقبل وفاة أمها بشهرين توفى أخوها الأكبر بمرض هو الأخر وكان لتلك الحوادث المتلاحقة أثر كبير على نفسية الفتاة وانتابها شعور بفقد الإحساس بالأمان والخوف الشديد من قرب الأجل حتى لو أصيبت بالأنفلونزا أو قليل من الصداع. تقول الفتاة (ف) والتي تبلغ من العمر 22 عاما: كانت حياتي قبل وفاة والدي ثم أخي ثم أمي حياة كلها مرح وانطلاق وسعادة وفكاهة وفرج لم اعان من أية أمراض لم أشتكي من أية متاعب، فلما حل بحياتي تلك الحوادث الثلاثة غيرت نظرتي للحياة أصبحت أحس بعدم الأمان فالموت قادم بأي شكل نحوي ونحو بقية عائلتي وصرت أخاف من المرض وأصابتني الوسوسة من أقل تعب لي أو لأحد من إخوتي. شعوري بعدم الأمان من قدوم الموت ظل يزداد يوما بعد يوم وتراودني أفكار معقدة أتساءل فيها أحيانا : لماذا خلقنا ما دامنا سنموت؟ وما دام الموت قادم لا محالة فمتى سأشعر بالأمان؟ ومتى سأغمض عيني بلا خوف من قدوم الموت كما قدم وأخذ مني أمي وأبي وأخي؟ الجواب: يا ابنتي الغالية ما تمرين به الآن شعور طبيعي لصدمات متلاحقة مرت بحياتك ولكن الجانب السلبي فيها هو أنك ظننتي بأن الموت يأتي بسبب المرض وان هذا الموت هو عدو يسلبنا الشعور بالأمان. مع أن الحقيقة التي فاتتك هي أننا جميعا مطاردون نعم مطاردون، مطاردون بالموت، إن لم يكن بمرض فسيكون بحادث سير مثلا وإن لم يكن بذلك فسيكون بسبب غذاء فاسدأو مسمم، أو بسبب زلزال مدمر أو بركان مفاجيء أو بسبب عملية جراحية خاطئة. هناك مليون سبب حولنا يا ابنتي قد يقربنا في لحظة من الموت ، فهو كأس والكل شاربه، وإذا ظللنا ننتظره ونخشى قربه فلن نشعر بطعم شيء حلو في الحياة بل سنفقد الإحساس بالأمان تماماز إن الأمان الحقيقي هو أن ترضى ربك وتحسني إلى نفسك بتزكيتها والعناية بها روحا وجسدا وأن تعاملي الناس بكل حب وخلق وأن تجعلي حياتك كلها كوكبة من الخير والأعمال الصالحة و أن تنفعي الناس وتساعديهم ، ارسمي البسمة على وجوه الناس و اعطهم الأمل ساعتها ستحسين بالأمان حتى لو كنت مصابة بأصعب الأمراض، الأمان يا ابنتي كل الأمان في رضا الله وإعانة الناس ونشر الخير والعمل والاجتهاد ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، يوم أن يكون هدفك وهمك هو أخرتك لا دنياك ساعتها ستشعرين بالأمان وسيكون الموت هو أحب ضيف إليك وسترينه جسرا سيعبر بك للجنة دار الخلود والبقاء والقرب من حبيبك وخالقك. فقد بين المصطفي صلى الله عليه وسلم معنى ذلك، كما في الصحيحين عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت. فقال: ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه". وذلك أن المؤمن يؤمن بما أعد الله للمؤمنين في الجنة من الثواب الجزيل والعطاء العميم الواسع فيحب ذلك وترخص عليه الدنيا ولا يهتم بها، لأنه سوف ينتقل إلى خير منها، فحينئذ يحب لقاء الله، وهذا هو قمة الشعور بالأمان الذي تبحثين عنه يا ابنتي. الأمان كله حين يكون الرحمن قد عمر ذكره قلبك ونطق بعظمته وحبه لسانك وتحركت كل جوارحك لرضاه الأمان أن تصلي وتدعين وتطيلين السجود وتدمع عينك من خشيته الأمان أن تحسين بوجوده معك في الشدة وفي الرخاء في الكبر وفي الشباب في الصحة وفي المرض هذا هو الأمان الذي لا يملك أن يهبه أحد لأحد إلا الله. وأخيرا عليك بهذا الدعاء ( اللهم آمن روعاتنا واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا ).