كثيرة هي الدراسات التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وتكشف العلاقة بين صحة الأمعاء وبين الصحة العاطفية والنفسية وتأيرها على الشخصية. وبينما نحن نتعلم عن أنفسنا وكيف يمكن لما نملأ معدتنا به أن يؤثر على المزاج والاكتئاب والتوتر والقلق، فإن ذلك يعني أن بإمكاننا تحسين شخصياتنا وحالتنا النفسية وبالتالي حياتنا. الأمر ليس مجرد كلام فارغ يملأ الدراسات، بل إنه حقيقة فاقعة على كل منا أن يأخذها بجدية، كل ما نأكله يؤثر على شخصيتنا، والحكمة تقول إن الإنسان لم يملأ وعاء بشرٍ أكثر من معدته. الفرق بيننا وبين الأجيال القديمة هي كمية الخلط التي باتت تملأ مائدة الطعام، كان أجدادنا أكثر صحة لأن طعامهم كان موسميا ومرتبطا بالطبيعة، لم يكن هناك شيء يسمى الفاست فوود، والذي يمكن للحوم فيه أن تنضج في خمس دقائق بينما هي تحتاج لثلاثة أرباع الساعة في الوضع الطبيعي وربما أكثر. وإذا كنا سنفكر بأمعائنا باعتبارها عقلاً، فإننا نعني هذه الجهاز يتدخل في عمليات مؤثرة في الجسم مثل الهضم وإفراز الهرمونات، والثيورايد والأدرينالين وإنتاج ما يقارب 95% من السيروتينين في الجسم. وبينما كان المحللون النفسيون يعتقدن أن الإنسان يصبح أفضل إذا تناول أدوية للعقل مثل الأدوية المخصصة للتحكم بالسيروتينين، فإنهم الآن وبعد أن تبين أن معظم الكمية التي تنتج منه تفرز في الأمعاء يميلون إلى السيطرة على ما يحدث في هذا الجزء من الجسم. يقول رئيس قسم التشريح وبيولوجيا الخلية في مستشفى جامعة كولومبيا، ميشيل غيرشمان، إن الباحثين صُدموا حين تبيّن أن 90% من الألياف التي تكون ما يُعرف بالعصب الحائر (هو العصب الوحيد الذي ينشأ في الدماغ وينتهي بعيدا في الجهاز الهضمي) يقوم بنقل المعلومات من الأمعاء إلى العقل وليس العكس. غيرشمان هو أيضاً مؤلف كتاب "العقل الثاني"، والذي يورد فيه كيف أن هذا العقل (الأمعاء) تحتوي على أكثر من 100 مليون من الأعصاب أي أكثر من العمود الفقري أو الجهاز العصبي الطرفي (أحد قمسي الجهاز العصبي الرئيسيين). ولكن ما معنى كل ذلك؟ بدورها، تقول الباحثة النفسية المتخصصة في العلاقة بين العقل والأمعاء الأميركية إميلي دينز، إنه ولصياغة الأمر ببساطة فأن للعقل والأمعاء قدرة ثابتة على التواصل من خلال الجهاز العصبي والهرمونات وجهاز المناعة ويمكن للأمعاء - التي تحتوي على ما يسمى بالـ "مايكروبيوم" والتي تعمل مثل الناقل العصبي - أن تتكلم مع الدماغ بلغة خاصة"، وبالنتيجة فإن أمل الباحثين في علم النفس كبير بأنه ومن خلال تغيير ما يوجد داخل الأمعاء يمكن تغيير الطريقة التي يتجاوب بها العقل مع المتغيرات. هذه النتائج التي وصل إليها الباحثون تعطي أملا كبيرا لمداواة الاكتئاب والقلق اضطراب المزاج والحزن الشديد، وقد تفيد كثيرا الأطفال المصابين بالتوحد. بل إنه يؤثر على أمراض جسدية أيضاً مثل الربو والتهابات المفاصل وأمراض البدانة. من هنا تأتي أهمية اتباع نظام غذائي محدد، ليس من أجل النحافة والبدانة، بل لأن ما تهضمه المعدة والأمعاء وما عودت نفسك على تناوله يؤثر في شخصيتك من خلال تأثيره في كيمياء الجسم ككل. لذلك وإن أراد أي منا البدء في تغيير طريقة تفكيره وربما التحكم في عواطفه وانفعالاته، فإن الأمعاء والجهاز الهضمي بشكل عاماً ليس مكاناً سيئاً للبدء بالتغيير.