في منطقة الرمادي في العراق، الساعة الخامسة فجراً، بدأت القذائف تنهمر على الحي الذي تسكن فيه أم علي، كان زوجها توفي منذ مدة، وهي ما زالت في أثر الصدمة، أفاقت من النم فزعة هربت خارج المنزل ناسية طفلها غارقا في نومه تحت القصف. بعدما هدأ القصف، خرجت أم علي إلى الشارع لترى أشلاء متناثرة وبيوتاً مهدّمة ونساء وأطفالاً جرحى ولا أحد يسعفهم. وجدت أم علي وعمّتها مكاناً لهما في إحدى سيارات الجيران. هي تركت كل شيء خلفها وخرجت بالملابس التي ترتديها. وانطلقت السيارة بهما عبر الصحراء إلى معبر "بزيبز" الذي يربط الأنبار بالعاصمة العراقية بغداد. بعد نهار طويل على الطرقات الصحراوية الخطيرة، وصلت أم علي وعمتها وآلاف آخرون إلى معبر بزيبز. كانت مذهولة ومصدومة، وراحت تتلفت يميناً ويساراً. هنا أطفال صغار يصرخون في أحضان أمهاتهم من العطش والحر الشديد. وسقطت أم علي مغشياً عليها. بكاء هؤلاء الصغار ذكّرها برضيعها الذي نسيته في المنزل. وبحسرة تقول: "عندما رأيت الأشلاء المتناثرة في الشوارع وصراخ الجرحى يملأ المكان والقنابل والصواريخ تتساقط علينا، لم أتنبّه إلى أخذ صغيري من فراشه. وأنا كنت قد وضعت فراشه تحت درج المنزل، ظناً مني أنه سيبقى محمياً هناك في حال سقط صاروخ على منزلنا". حين عادت إلى منزلها، وجدته لم تجد لا علي ولا فراشه. حاولت الانتحار أكثر من مرّة. لكنها ما زالت تبحث عن صغيرها وهي تأمل أن يكون أحد الجيران قد أنقذه من الموت.