كنت وأنا صغير أشاهد بنات من أقاربنا وبنات الجيران غير المحجبات عندما يأتي رمضان تراهن في اليوم الأول من الشهر الفضيل وقد لبسن الايشارب والثياب الطويلة وهن يسرن بالطرقات. فكنت تشعر من داخلك بروحانية هذا الشهر المعظم وحتى الشباب الذين تعودوا على مغازلة الفتيات تراه يغض طرفه.

وكانت الأجواء رائعة حين يهرع الكل بعد الإفطار كبارا  وصغارا لصلاة التراويح والفتايات الصغيرات يضعن الايشارب على رؤسهن تقليدا لأختها ووالدتها ، حب و ايمان وبركة واحساس بعظمة رمضان كانت بالأمس تملأ شوارعنا وبيوتنا والمحلات وحتى أماكن العمل.

أين نحن اليوم أيتها الصائمات الفاضلات من تلك الأجواء ؟ أين ذهبت تلك العادات بل والعبادات الجميلة؟  أنا لا  أتكلم هنا عن موضوع الحجاب من ناحية شرعية، بل أتكلم عن هيبة وتعظيم هذا الشهر مثلما كنا نراها بالأمس ونحن صغار ، لأننا وبكل صراحة كثير من نسائنا وبناتنا أصبحن لا يعطين لهذا الشهر الفضيل هيبته ورونقه وجماله وايمانياته.. اللهم إلا أنها فقط صائمة عن الطعام والشراب لكنها لا مانع عندها أن تغتاب الناس مع زميلاتها بالعمل، ثم تدعي أنها صائمة... لا مانع لديها أن تتشاجر وتصارخ الناس وتنفعل بحجة أنها صائمة ...لا مانع لديها أن ترسل الشعر الحرير وتلبس القصير وتضع الميكاب الصارخ على الخد يسيل بنهار رمضان وتقول بنفس الوقت : "الحمد لله  أنا صائمة" أي صوم هذا سيدتي وابنتي الغالية؟

إن السائحات الأجنبيات عندما يدخلن مساجدنا العربية السياحية يرتدين العباءة والطرحة "الشيلة" احتراما وهيبة للمكان وتقديرا لمشاعر المسلمين، ما بالك وأنت صائمة وبشهر رمضان الفضيل.

 لا أرى صعوبة أن تلزمي نفسك ولو بشهر رمضان مبدئيا بهذه الهيئة الساترة الجميلة التي ربما تكون دافعا لك وسببا أن تستمري على طاعة ربك ورضاه حتى بعد رمضان.

 والله يا سيدتي ويا ابنتي الغالية لن تشعري بلذة وجمال شهر رمضان إلا باتباعك لتلك النصائح ، فليس الصوم صوم طعام وشراب إنما الصوم صوم عن كل ما يغضب الله من قول أو فعل، يقول الحبيب المصطفى:

( رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر)

أمر أخر يصيبني وغيري بالدهشة والعجب من هؤلاء الذين يصومون برمضان لكنهم لا يصلون، بالله عليكم أذلك منطق وعدل؟ أليس الرب الذي أمرك بالصوم هو نفسه الرب الذي أمرك بالصلاة؟ أليس أول ما يحاسب عنه المرء يوم القيامة الصلاة فإن قبلت قبل منه سائر عمله وإن لم تقبل رد عليه سائر عمله؟ أتريد أن يرد عليك صومك بعد كل هذا الجوع والعطش شهرا كاملا ويقال لك يوم القيامة صومك غير مقبول لأنك لم تؤد الصلاة التي هي عماد الدين وأساسه؟

 هل أنت صائم كعادة ؟ أم عبادة؟ إن كان الأمر عادة فانس موضوع الأجر والثواب لأن الأصل في الصوم والصلاة والزكاة والحج وكل العبادات الأصل في أدائها أن تكون خالصة لله وحده وليس لأننا تعودنا على أدائها .

أيتها القارئة الغالية والله لولا أنك غالية علينا ما همسنا بإذنك بتلك الكلمات صومي عن الغيبة والكذب والتبرج ...صومي عن العصبية والغضب ... صومي عن مشاهدة وسماع الحرام ... صومي عن عقوق الوالدين وقطع الأرحام .. صومي صوم المحب. لا تضيعي العشر الأواخر من رمضان وخاصة ليلة القدر فلعلها تكون عتقا لك ولنا جميعا من النار ونجاة وفوزا في الدنيا والأخرة .