اتصلت بي صديقتي تشكو من ابنتها التي لم تتجاوز الستة أعوام، تقول إنها عنيدة جداً، وأنها بالأمس صورتها بالفيديو لشدة ما استفزتها لأن أحدا لن يصدق ما تفعله فيها في غياب الأب، ففي حضور الأب تتحول إلى الفتاة المدللة تجلس في حضنه وتنفذ طلباته بسهولة، بينما تظل الأم تعاني معها طيلة النهار. تقول لها في وجهها لن أقوم بهذا الأمر أو ذاك، وتهرب منها إذا حاولت الاقتراب ولا تستجيب لأي نوع من العقاب. حسناً، لفهم طريقة التعامل مع الطفل العنيد عليك أن تفهمي لماذا يعاند الطفل أصلاً، في الحقيقة إن شخصية الطفل العنيد شخصية تحب الاستقلال مبكراً والتحكم في يومياتها صغرت أو كبرت. تبدأ ملامح العناد تظهر عند الطفل في عمر العامين، وتتضح كثيراً حين يبدأ المشي، فشعوره بالاعتماد على الأم والأب في كل شيء أمر يزعجه، لنقل إن الطفل العنيد لديه وهم مستمر أنه قادر على فعل كل شيء بنفسه، إنه طفل يعتقد أنه بالغ. وفي الحقيقة إن العند الذي يغيظك قد يكون ميزة في ابنك أو ابنتك على المدى البعيد، فإياك أن تحاولي كسر هذه الشخصية أو اضطهادها بغاية تطويعها، عليك أن تجدي طريقة ليكون هذا العناد في الأمور الجيدة ويتحول إلى مثابرة وتصميم واستقلالية وقوة شخصية. النصيحة الأولى: كل الصراخ والمسك من اليد والشد من الأذن أو حتى اللوم بالكلام والصوت العالي، كل هذا لن يفيد. لقد جربته مراراً وتكراراً وكل ما يحدث أنك تقضين يومك تعيسة بسبب ابنك أو ابنتك دون أن تحلي المشكلة. إذن القرار الأول غيري الاستراتيجية. النصيحة الثانية: استراتيجية الأم المتسللة إنها طريقة وضعتها الطبيبة النفسية شارون سيلفر، وليس المقصود بها أن تخدعي طفلك المقصود أنه وبدلا من الوقوف في وجه الطفل جربي الاستجابة لأفعاله، استخدمي الهدوء والاحترام لكي يشعر الطفل أنه يتم احترامه، فكما قلت لك الطفل العنيد لديه شعور أنه بالغ، تصرفي معه كبالغ. وهذا يقتضي أن تتركيه مرة أو مرتين يلاقي عواقب قراراته، مثلا إن أصر ألا يحل الواجب، اتركيه يذهب إلى المدرسة من دون أن يحل الواجب، واتصلي بالمدرسة في الصباح وأخبريها أن تعاقبه بوضوح وأن تسأله أمام الزملاء عن واجبه وتسأله لماذا لم يقوم بحله مثل زملائه. حين يعود إلى البيت اسأليه عن يومه، وادخلي معه في حوار يحترمه ويوضح له أن كل فعل له عاقبة. النصيحة الثالثة: وهم الخيارات حيلة أخرى تنفع مع الأطفال قبل سن المراهقة، الطفل العنيد يحب أن يختار، فإذا كنت تريدين لابنتك أن تفعل شيئاً محدداً فقومي بوضع خيارات. إذا كانت مصرة على ارتداء الفستان الأصفر، ضعي أمامها البرتقالي والأحمر، اسأليها على تريدين ارتداء الأحمر؟ هل قلت الأصفر؟ هل أنت متأكدة؟ النصيحة الرابعة: هنا سأضرب لك مثالا، ابنتك أخرجت كل الألعاب من مكانها ورمتها وسط الغرفة، حين جاء موعد ترتيب غرفتها تجاهلتك تماما وذهبت للعب في الحديقة، طلبت منها مرتين ثلاثة ولم تستجب لك. الأم المتسللة في هذه الحالة تقوم بعمل مسابقة التوقيت، اضبطي التايمر وقولي لها إن هذا تحدي إن كانت تستطيع أن ترجع الألعاب إلى مكانها في عشرة دقائق، أو كم لعبة يمكنها أن تعيد في خمس دقائق. هل تذكرين مسابقات "تيلي ماتش" تحتاجين للكثير منها وأنت تربين أبنائك. عززي ما فعلت بتقديم هدية للطفل أو مكافأة أو مشوار أو حلوى. النصيحة الخامسة: أعط طفلك لقباً، مثلاً اسأليه قبل إعداد العشاء: هل تحب أن يكون منصبك اليوم مساعد ماما الخاص؟ الأطفال يحبون الشعور بأن لهم سلطة على شيء ما، خصوصاً إذا كان لديك أكثر من طفل في البيت، المساعد الخاص يضع الغسيل في الغسالة، يمسح المرآة وأنت أفضل واحد يمسح المرأة في البيت، ويتحكم بالرموت كونترول لمدة ساعتين عندما نجلس على التلفزيون. النصيحة الخامسة: فكري بإيجابية، لماذا تعاندين أنت طفلك؟ لماذا ترفضين طلباته؟ إن لم يكن فيها ما يضر أو يزعج لا تستمري في رفض طلباته لتمارسي سلطة الأمومة عليه، عليك أنت أيضاً أن تكوني إيجابيه وألا تشعريه أنه مضطر كل مرة للنق وملاحقتك في البيت لتلبية طلبه، أعطه ما يريد إن لم يكن هناك سبب حقيقي يمنع. بل قولي له بكل حب وإيجابية: نعم حبيبي تستطيع أن تفعل هذا الأمر أو ذاك بابتسامة، هيا رتب غرفتك ثم إذهب لفعل ما تريد. النصيحة السادسة: معركة الاستحمام والنوم معركة تعرفها كل الأمهات، أصعب شيء أن تقنعي طفلك بأن تحمميه وأن تأخذيه لسريره كي ينام. يقول التربويون استخدمي حيلة الموسيقى، هناك موسيقى مخصصة للنوم والاسترخاء أديريها قبل النوم بربع ساعة فهي تساعدك في تخفيف نشاط طفلك الزائد في هذه الساعة المتأخرة من الليل. الطريقة الثانية أن تسألي طفلك ثلاثة أسئلة تعرفين أن جوابها سيكون: نعم. الأول: هذه اللعبة رائعة أليس كذلك؟ هل يمكنك أن تحضر فقاعات الحمام لنلعب بها في حوض الاستحمام؟ هل تعتقد أن الديناصور الأصفر الذي اشتريناه بالأمس يطفو على الماء؟ إن ثلاثة إجابات بنعم تكسر الرغبة في المقاومة لدى الطفل وتجعله يتجاوب معك، لأنه يشعر أن هناك من يفهمه ويصغي إليه. لا تنسي أن تعطي طفلك الخيارات لدى أخذ الحمام: مثل: هل تريدني أن أجفف جسمك بالمنشفة أم تفعل ذلك وحدك؟ سأترك لك مسألة إعلان نهاية الاستحمام. أي بيجاما تحب أن ترتدي للنوم هذه الليلة؟ أي قصة تريدنا أن نقرأ؟ إذا اختار ابنك شيئاً ثم عاد عن الاختيار وطلب شيئاً آخر، اسأليه أكثر من مرة: ألم تقل أنك تريد هذه البيجاما؟ هل قلت أنك تريد هذه أم هذه؟ هل أنت متأكد؟ حافظي على الكلام بهدوء وحنان. مهما كان الخيار استجيبي له، إنها مملكته الصغيرة اتركي له حرية الاختيار ولا تسمحي بالفوضى، كل ذلك عن طريق الأسئلة وتكرارها، لأنها تساعده في أن يلتزم بخياره. بعد أن تنتهي من كل المهمات الليلية قومي بحزم، أطفئي الضوء وقولي تصبح على خير، لا تستجيبي لأي نق أو إلحاح بالبقاء. تذكري أن لا تقومي مثل العاصفة أثناء السهرة وتقولي: يللا موعد النوم، يللا ع السرير، هذه الطريقة لا تصلح أن تنقلي به فجأة من السهر معكم إلى النوم. في السهرة إجلسي بجانب طفلك قبل أن تأخذيه للسرير، واسأليه عما يفكر وما يفعل، إذا كان في يده لعبة العبي بها قليلاً، قولي له: فعلا إنها لعبة ممتعة. هذه اللحظات القليلة هي التي تجعل طفلك يشعر أنك لست غريبة عن عالمه، وكلما شعر بالتواصل معك شعر بالرغبة في التجاوب معك وعدم معاندتك. بعد ذلك اطلبي منه أن تذهبا للاستحمام أو النوم. النصيحة الأخيرة حول معركة النوم هي ما أعرّفه بـ لحظة الانتصار، يحب الطفل العنيد أن يشعر بأنه ينتصر من وقت إلى آخر، مثلاً إذا كنت تريدن طفلك أن ينام كل يوم في الساعة 8:30 ولكنه يريد النوم في التاسعة إقبلي بشروط، قولي له موافقة لكن بشرط: أن تذهب إلى غرفتك في الثامنة والنصف وتلعب حتى التاسعة، وحين أفتح الباب في التاسعة تماماً تكون في سريرك كما تريد أنت وكما وعدتني. الأطفال يفهمون هذا انتصاراً على رغبة الأم في السيطرة على مواعيد النوم. لكن لا تنسي أن تكوني واضحة أنه إذا لم تجديه نائما في التاسعة تماماً في سريره فإنك ستأخذين الآيباد لمدة 3 أيام. معركة الطعام: طفلك لا يحب تناول الخضروات وأنت تخافين على صحته، في الحقيقة لا داعي لكل هذه المخاوف، النصيحة بسيطة لا توفري في البيت سوى الأكل الصحي، وحين تضعين الأكل على السفرة ضعي لطفلك مثل الكبار كمية قليلة من كل شيء واتركي له الخيار، على الطعام لا تناقشي أبدا أنه لا يأكل، كلي أنت وتحدثي معه ومع الأب عن زيارة الجدة وعن الطقس في الخارج وعن الذهاب للتسوق واليوم في العمل. لا تذكري كلمة واحدة عن صحنه الذي لم يكمله بعد، ولا تطعمي طفلك وحده، مشكلة الأمهات تضع الطفل وتحاول إطعامه قبل أن تأكل هي، فيشعر أن مسألة أن يأكل مهمة وأن عليه أن يعاند فيها، لكنه مع والده ووالدته سيأكل مثلما يأكلون ولا يعاند لأن الجميع يأكل من نفس الأغذية. هذه مجرد أمثلة عملية على معاملة الطفل العنيد، لكن الحيلة عزيزتي لديك أنت، عليك أن تفهمي شخصية طفلك. هل تفهمينها حقاً؟ العند ليس خصلة سيئة إنها شخصية قوية في مرحلة مبكرة، لذلك عليك أن تعطيها مساحتها وأن تدعميها بتثقيفها وتوجيهها، مشكلة الأم والأب أنهم يريدون كسر عناد الطفل، يرون فيه تطاولا على سلطتهم، لكن الأمر ببساطة أن تحافظي على هدوئك وتعطي للطفل مساحته وحرية الاختيار في بضعة أمور يشعر معها أنه شريك لك وليس تحت سيطرتك. خففي السيطرة تحصلين على نتائج أفضل. استفيدي من المدرسة واطلبي أن يتعاونوا معك في توجيه سلوك الطفل. نسقي مع الجدة والجد والأب لكي لا يتركوك وحدك مع إدارة سلوك الطفل. وأخيرا أدرسي شخصية ابنك ما يحب وما يكره، تجنبي لحظات العناد وتجاهليه إن شعرت أنه خرج عن السيطرة تماماً، تجاهل الأم لابنتها أو ابنها من أكثر الوسائل المجدية، وذلك بأن تخاصمية فعلا، فلا تنظري إليه ولا توجهي له الكلام ولا تجيبي على أسئلته، بينما يقوم الأب بهذه المهمات.