لاحظت يارا منذ عدة أسابيع أن زوجها عمرو يعود متأخراً إلى البيت كل يوم. شعرت بالقلق وخمنت أن السبب هو الخلاف الذي حصل بينهما منذ أكثر من شهر وأن عمرو مازال غاضباً منها فعلاً، رغم زعمه أنه سامحها ووضع الخلاف وراءه. سألته عدة مرات "هل لديك مشاكل في العمل؟ هل هناك شيء يؤخرك خارج المنزل؟". وكان الجواب دائما "لا شيء مهم". رغم ذلك ظلت المسافة خلال الأسابيع القليلة الأخيرة تبعد بينهما وعمرو يصبح أبرد معها. قررت يارا سؤال زوجها أحد الأسئلة العمودية التي تحدثنا عنها بالأمس، فقالت له: في الفترة الأخيرة أنت تعود إلى البيت متأخرا كل يوم، وأصبحت أشعر أنك شارد وبعيد عني، أريد منك أن تشرح لي السبب فأنا أحتاج أن اطمئن عليك وأن أفهم السبب؟ فوجئ عمرو بالسؤال لكنه اختفظ بهدوئه وقال: لا تكوني سخيفة، أنا فقط متعب. كل شيء على ما يرام، تصبحين على خير. وأدار ظهره لها لينام، لكنها أصرت: لحظة من فضلك، هل تدرك أن كلامك لا علاقة له بتصرفاتك. لا ابتسامتك حقيقية وتمشي وأنت ساهم، وقلما تتبادل معي الحديث، ثم تقول لي إن كل شيء على مايرام. حبيبي أحتاج أن أعرف ماذا هناك، وإلا لن أستطيع أن أكون بجانبك وأشعر بالقلق. التفت عمرو وقال: أخبرتك ليس ثمة شيء، أنت تجعلين من الحبة قبة. لكنني أحس بحزن شديد لغيابك عني هكذا وأنت معي، دون أن أفهم، أرجوك ساعدني أن أفهم، لا أريد أن نظل هكذا. كانت ملامح يارا حزينة فعلا، واوشكت على البكاء، ولأول مرة خلال الحديث يرفع عمرو نظره ويتطلع إلى وجهها ويلمح الحيرة والخوف. كانت مشكلة يارا وعمرو أنه عاد إلى البيت ثملاً وقد شرب الكحول مع أصدقاء جدد تعرف عليهم. كانت تلك أول مرة ووعدها أنها لن تتكرر، رغم ذلك اتصلت يارا بوالدته واشتكت إليها منه، ولم تكن والدته تعلم أن ابنها يشرب الكحول، كان الأمر بالنسبة لها صدمة في ابنها، واتصلت به وكلمته بقسوة وقاطعته. اتصال زوجته بوالدته جعل عمرو يشعر أنها لم تثق بقراره وخانت ثقته فيها وشوهت صورته أمام أمه، وكان هذا أمرا مؤلما جدا بالنسبة إليه، واعتبر أنها أفشت أسرار عائلته الصغيرة. كل هذه المشاعر السلبية لم يستطع تجاوزها، خصوصا مع استمرار غضب والدته منه. شرح عمرو ليارا كل هذا، ثم قال فجأة وبدون تفكير: "أحيانا أنظر إليك فأجد أنني غاضب وأتمنى أن أقذفك بأي شيء في يدي، ولأني مازلت غاضبا أتحاشاك كي لا أرتكب خطأ اندم عليه. مالذي جعلك تخبرين أمي، أنت تعلمين تعلقي فيها، يبدو لي أنك لم تكترثي بي ولم تفكري بمشاعري للحظة". كانت هذه المكاشفة مهمة جدا ومحزنة، لأول مرة يتحدث عمرو بصراحة، فقد كان يتحاشى الصراحة لأنه في نظر الجميع مخطئ، ولأنه ملام، ولكن لم يهتم أحد لمشاعره هو حتى وإن كان مخطئا خصوصا شريكة حياته. في اللحظة التي رفع فيها عمرو عينيه وجد يارا تبكي، حزينة بسبب ما فعلته وراضية لأنه صارحها بما يحس. لقد جرحته وهاهو يقول لها ذلك من دون أحراج بسبب عودته ثملاً في إحدى الليالي. هذه هي اللحظة الذهبية من المكاشفة، التي أعادت للاثنين صفاء علاقتهما كل منهما غرق في حضن الآخر حتى وهو مخطئ في حقه. سؤال يارا العمودي وإلحاحها أشعر عمرو أنها حريصة على التراضي، وأتاح له أن يتكلم بوضوح عن مشاعره، لكي تفهم هي أين أخطأت. ويعقم كل منهما جرح الآخر لكي لا يترك أثرا لا ينمحي.