قصة اليوم لاثنين مطلقين لم يدخلا حرباً شعواء بعد الطلاق، بل حافظا على أفضل علاقة يمكن الوصول إليها وأرقى درجة من التعامل، فرغم وقوع الطلاق ما شوّهت الأم صورة الأب يوما – حسب كلام الابنة الكبرى- بل كانت تحمل العصا لأبنائها إذا تفوه واحد بكلمة "أف" ضد أبيه، رغم أن ذلك الأب قصر في النفقة سنين طويلة. وكان يعطي مصروفاً قليلاً جداً على ستة من الأبناء. لكن الأم ما ذهبت لمحكمة لتشتكي عليه ولا رفعت قضية بل احترمت ظروفه المادية ودبرت أمرها لتنفق على الأولاد من تعبها وجهدها، ولم تطلب مساعدة من أحد. تقول الابنة الوسطى والتي تعمل في مركز مرموق اليوم: تحملت أمي وعلمتنا بأفضل المدارس وصبرت حتى أنه مرّ بنا عام لم نستطع الذهاب للمدرسة لأنها لا تملك مصاريف المدرسة ومع ذلك لم تخبر إخوانها ولا أعمامي حتى لا تحرج أبي (طليقها)، ويظن أنها شكته لإخوانه صبرت على تربيتنا وعملت ليل نهار، ما اشتكت يوما من أبي لأحد، وما قطعت صلتنا بأهل أبي بتاتاً كما تفعل كثير من المطلقات، وما رفعت عليه قضية نفقة يوماً. بل كانت تأتي بحاجاتنا أغلب الأوقات وتقول : أبوكم أرسل لكم هذه الأغراض " وفي الحقيقة هي التي كانت تشتريها من حرّ مالها وليس أبي، أحبها الجميع واحترمها الجميع خاصة أهل أبي، فعماتي وأعمامي لا ينادون عليها إلا بكلمة ( أمنا) وفاء لها وفاء ما بعده وفاء، وفاء واحترام لطليقها غرسته فينا حتى اليوم، لدرجة أنني لما طلقت من زوجي منذ 3 سنوات لم أطالب طليقي بشيء قدوة بأمي ولم أذكره بسوء فأعطاني حضانة الابن طوال العمر وهذا يكفيني، وهذا ما تعلمته من أمي وعلاقته بابني وبي أروع ما يكون وأكرمني الله بعمل راق لأني لم أرد مشاكل ولا قضايا بيني وبين طليقي".. لقد بلغت أمي رغم طلاقها من 20 عاما قمة الاحترام لطليقها (والدنا) حتى رأينا أبانا يحاول دوما أن يرعى حاجاتها فمنذ 7 سنوات بدأ المرض يهاجمها، فقام أبي يبحث لها عن أفضل الأطباء وأحسن المستشفيات، ويشتري لها الدواء ويأخذ لها المواعيد ويقضي لها حاجات البيت وكأنه سائق أو مساعد لها، لا ينام الليل إن مرضت أو تعبت، وكانت أشد المشاهد التي تأثرنا بها جميعا كأبناء وبكينا لهذا الوفاء بينهما رغم أنهما مطلقين من 20 عاما.. يوم أن حجزت أمي بالعناية المركزة فهرعنا للإطمئنان عليها وعندما دخلنا أتدري يا سيدي ماذا رأينا؟ رأيت أبي جاثيا على ركبتيه ناحية قدم أمي في طرف سرير العناية المركزة ينتحب ويبكي بشدة ويقول: يارب اشفيها يا رب ارفع عنها أم عيالي الصبورة المخلصة يا رب ... وظل عند قدمها وقتا طويلا على هذا الحال رغم كبر سنه وأمي في غيبوبة. قلت لها: هذا هو الوفاء الحقيقي فالطلاق لا يعني تقطيع الأواصر وشن الحروب، خاصة إذا كن لدينا أبناء، ووالله ما امتلأت المحاكم بالقضايا الأسرية إلا لغياب هذا الوفاء عن كثير ممن طلقوا وبعضهم جعل الأبناء مشاركون في حلبة الصراع وأطرافا في لعبة الانتقام بين الطرفين.