ما أحوجنا اليوم لتطبيق المعني الحقيقي لبر الوالدين خاصة بعد انفصالهما وطلاقهما. فكثير من الأبناء والبنات اليوم بعد انفصال الوالدين قد ينحاز عندما يكبر لأحد الجهتين، إما والده وإما والدته ويبدأ التحزب والصراع بين الأطراف والذي قد يصل لأروقة المحاكم بسبب شعور أحد الأبوين بالميل الأعمى من أحد الأبناء أو جميعهم للطرف الآخر. وقد يؤثر هذا التحزب والتعصب لطرف على حساب طرف على دفع النفقة للمحضونين من الأبناء وعلى تلبية طلباتهم. وقد يقوم بعض الآباء مثلا بالصرف والإغداق المادي على ابن دون ابن هذا الذي يتقرب لأبيه بالتطاول على الأم وإهانتها دوماً بالكلمات والمواقف، وينغص عليها حياتها فيجعله الأب من المقربين، وكل ذنب المطلقة أنها طلبت الطلاق ولديها ما يبرر طلبها ولكنه حب الانتقام منها باستخدام الأب للأبناء. وكم من فتاة صرخت بوجه ابيها بأنها لا تريد أن تقابله أو تختلط به كنوع من الانتقام لأمها التي طلقت بلا ذنب... ومع الأسف كل تلك النماذج وكل تلك التصرفات من قبل بعض الأبناء خطأ كبير وتمييز وعنصرية أسرية مؤلمة للأبوين وعدم وضع لحد فاصل بين علاقة الابن بأبويه وعلاقة الأبوين ببعضهما سواء كانا متزوجين ام مطلقين مما تولد عنه مآسي أسرية متتابعة ولا تنتهي وغن انتهت اعمارنا مع الأسف. وفي الحقيقة مسألة اليوم نموذج فريد لابن بار وهو شاب حمى نفسه من الوقوع في ذلك الخطأ الكبير فخرج بموقفه الفريد والكريم تجاه أبويه فرغم أن امه مطلقة من 17 عاما. فقد سعى الابن بالبر والحب لهما غاضا الطرف عن خلافاتهما معا فنال رضا الأب وفاز برضا الأم وقبل ذلك أدركه رضا الرب سبحانه. هذا الابن البار عندما طلقت أمه بدأ إخوانه وأخواته الأربعة يأخذون موقفا عدائيا من الأب وكبر العداء والجفاء يوما بعد يوم، صحيح ان الأب تحامل كثيرا على أم الأبناء (مطلقته). لكن هذا ما كان سببا كافيا لأن تصل العلاقة اليوم لقطيعة منذ عامين من طرف الأبناء لوالدهم والسبب تافه هو انه طلب منهم مساعدة مادية حيث كبر الأب والأبناء يعملون ولديهم رواتب، خلط الأبناء بين علاقتهم بأبيهم وعلاقة الأب ومشاكله مع أمهم ولم يفصلوا بين هذا وذاك إلا هذا الابن البار. وكانت الأم طوال فترة الطلاق تحاول معهم ألا يسيئوا لأبيهم وألا يقحموا أنفسهم في العداء معه تحيزا لها. كانت الأم حزينة على حد قولها من هذا الوضع لأنه بالنهاية أب وهؤلاء أبناؤه حتى لو طلقت الأم تبقى علاقة الأبوة قائمة تقول الأم. لقد فشلت تماما في إعادة العلاقة بين الأبناء الأربعة وبين أبيهم الذي يحتاج لهم اليوم ووالله ما شوهت صورته يوما أمامهم ولا أدري لماذا يقسون عليه بهذا الشكل ، صحيح انه أتعبني بنفقاتهم وحملني فوق طاقتي منذ طلاقي لكنه في النهاية والد أبنائي. ثم أضافت الأم: "وما وجدت إلا ولدي هذا الأصغر قد أمسك بالعصا من الوسط كما يقال فما أغضبني من أجل حبه لأبيه، وما أغضب أبيه من أجل حبه لي، إن رأى والده قبَّل جبهته ويده وإن دخل يوما علىَّ فعل مثل ذلك بل أحيانا ينزل فيقبل قدمي فأستحي منه لأنه بلغ من العمر 24 عاما. يقول لي دوما: يا أمي لا تزعلي مني فأنا لا يخصني ما بينك وبين أبي من مشاكل وخلافات. ويكرر دوما جملة: ( أنت أمي وهذا أبي) فتذرف لسماعها عيني بالدموع حنانا وبرا منه علينا. كسب بر والده وكسب بره لي وكسب دعانا له ورضا ربه عنه لأنه لم يتأثر بمشاكلنا كمطلقين إنما وضع قوله تعالى ( وبالوالدين إحسانا) منهجا له ولم يحد عنه يوما ولا ساعة دونا عن بقية إخوته. يفزع لو سمع بمرض أبيه ويحمله للطبيب يساعد والده ويساعدني ماديا منذ ان بدأ يعمل العام الماضي أسأل الله أن يحفظه ويرعاه ويهدي إخوته ليكونوا مثله". هذا ما دفعني أعزائي القراء لأكتب تلك القصة الواقعية لتكون نموذجا لكل ابن وكل بنت انفصل أبويهما كتبتها لأقول لهما أنه مهما كانت الخلافات بين الأبوين فلا تعق احدهما لحساب الأخر فربما برك بكليهما معا - بصرف النظر من منهما على حق ومن على باطل - ربما برك هذا بهما يكون سببا في عودتهما ورجوعهما او على الأقل سببا في تعاملهما بالمعروف بعد الطلاق لأنهما سيشعران ببرك لهما وأنهما وإن فشلا كزوجين فقد نجحا كأبوين بوجود ابن بار مثلك ربوه بأعلى مستوى من الخلق والدين .