يصعب على المرأة العربية التي لم تتزوج، أن تعبر كثيراً عن شعورها بالوحدة. الوحدة الدفينة التي ترافقها طيلة النهار، بين أهلها ومع صديقاتها. خصوصا الوحدة التي تظهر وتبدأ حين يذهب كل إلى شأنه. وقد يستهجن من حولها إن هي اشتكت من الوحدة، لا سيما وأنها تظل تعيش بين أهلها، مستغربين من أين يأتي هذا الشعور، ومتناسين أنها حين يذهب كل إلى رفيقه تظل هي بمفردها، خصوصاً إن لم تكن هذه المرأة تعمل وتذهب إلى مكان عمل مستقر، ولديها ما تبدع فيه وتعوض غياب أمر أساسي من حياتها؛ وهو أنها لم تتمكن من أن تكون شريكة حياة لأحد، أو أن الحظ لم يحالفها ولم يقدّر لها أن تكون أماً. الأرقام المخيفة والعنوسة المقنعة الأرقام مفزعة وفي ارتفاع مطّرد، نسبة ما يسمى بـ "العنوسة" تصل إلى أرقام تؤشر إلى موقف اجتماعي خطر. في السعودية مثلاً تصل نسبة الفتيات اللواتي بقين من دون زواج وقد تجاوزن السن المتوقع لذلك مليون ونصف. وتتوقع الإحصائيات أن ترتفع النسبة إلى أربع ملايين في 3 سنوات على الأكثر. وهناك أيضا ما يمكن أن نطلق عليه العنوسة المقنّعة أي نسبة المطلقات الآخذة في الارتفاع، فنسبة الطلاق في اسعودية ايضاً تصل إلى 33% من نسبة المتزوجين، ومصير المطلقة ليس بأحسن من مصير الفتاة التي لم تتزوج. وحتى الآن تصل نسبة العنوسة في العالم العربية إلى ما يقارب 15 مليون شابة عربية بلا زواج. والغريب أن الدراسات تقول إن الأرقام في ارتفاع مستمر في منطقة الخليج، وهذا أمر يستحق التوقف والدراسة، لا سيما وأن التبرير الأول للعنوسة هو غلاء المعيشة وعدم القدرة على نفقات الزواج، بينما يعتبر دخل الفرد في الخليج أفضل من غيره في الدول العربية الأخرى. ربما يجدر من علماء الاجتماع دراسة هذه الظاهرة في منطقة دول الخليج إلى جانب ظاهرة ارتفاع نسب الطلاق، الذي يؤشر أيضاً إلى أن المجتمعات في بلاد الخليج تعاني منها أكثر من غيرها. البلد العربي حيث أقل نسبة عنوسة بحسب إحصائيات أجرتها "الإذاعة الهولندية" في 2013 فإن البلد العربي الأقل عنوسة فهو فلسطين، إذ تبلغ نسبة العنوسة فيه 7%، وقد يعود الإقبال على الزواج رغم الظروف الصعبة إلى وجود الاحتلال، فيعتبر الزواج وتكوين أسرة فلسطينية وإنجاب أطفال أحد أشكال مقاومة هذا الاحتلال وإثبات الوجود أكثر، وتمكين المجتمع الفلسطيني وتثبيته بشكل أكبر. وبحسب نفس الإحصائية تأتي البحرين بعد فلسطين، حيث العنوسة 25% فقط من نسبة السكان، اليمن 30%. أما الكويت وقطر وليبيا فنسبة العنوسة فيها 35%. الدول الأعلى نسبة في العنوسة تبلغ نسبة العنوسة، بحسب الدراسة نفسها، في مصر والمغرب 40%، وفي السعودية 45%، وفي الجزائر 51% وفي تونس 62% وفي العراق وسوريا 70%، وفي الإمارات 75% اما لبنان فتأتي على رأس القائمة بنسبة 85%. المجتمع والتقاليد يجعل وحدة المرأة العربية أكثر من غيرها لنعترف أن هناك قنبلة موقوتة لا بد من نزع فتيلها، فوجود هذا العدد من الفتيات بلا زواج وكثير منهن بلا عمل ونسبة منهن بلا تعليم، ويعشن في مجتمعات مغلقة. أي أن الفتاة التي لا تتزوج ليس لها أي منجز في حياتها في مجتمع يفرض عليها الكثير من قيود الحركة. قليلة هي نسبة النساء القادرات على السفر او العيش بمفردهن أو الزواج من جنسية غير جنسية بلدها، أو حتى رفع وصاية ولي الأمر الذي يتحكم أساساً في زواجها وهو أحد أسبابه. المرأة في بلاد أخرى لا تعيش في شروط حياة المرأة العربية التقليدية من عدة نواح. الزواج ليس هماً، وتعبير عانس ليس موجوداً في كثير من الثقافات. الشعور بالذنب والوحدة والعصبية الزائدة على صعيد الحالة النفسية للمرأة التي تأخرت عن الزواج، فإنها غالباً ما تعاني شعوراً غير مفهوم ولا منطقي بالذنب يسير جنباً إلى جنب مع الوحدة. يعود هذا الشعور لاعتقادها ان ثمة عيب ما فيها هي، وانها عبء على من يحيطون بها، وهو شعور يعزز إحساسها شيئاً فشيئاً بالرغبة في عدم الانتماء والانعزال، فنجد فتيات كثيرات من هذه الفئة يجلسن فترات ططويلة بمفردهن في الغرفة، أو يخلقن حياة عاطفية مع مجهولين على وسائل التواصل الاجتماعي، أو تعيش اكتئاباً وشعوراً بعدم الثقة بالنفس، كما تظهر عصبيتها على من حولها، وغالباً ما تصبح مصدر متاعب لمن حولها بطريقة كلامها أو تدخلها فيما لا يعنيها. وفي الواقع إن هذا طبيعي وعلى الأسرة أن تتفهمه وتجد له حلاً بالتواصل أكثر مع الفتاة والاهتمام بها. فهي تحتاج من يعوضها عن غياب العاطفة في حياتها، وغياب شريك يهتم بها ويكترث لمشاعرها؛ ما تتألم منه وما تفرح له. المجتمع لن ينقذ نفسه المجتمعات لن تستطيع إنقاذ نفسها بنفسها من عادات مثل عادة "العضل" أي امتناع ولي الأمر عن تزويج ابنته، أو غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج، أو رفض الزواج من الأجنبي أو رجل من جنسية أخرى، او حتى رفض السماح للمرأة بالعمل أو السفر أو التعليم. أمر إنقاذ هذه المجتمعات يقع على الدولة التي تعيش في ظلّها، من خلال سن قوانين تساعد المرأة أكثر على امتلاك كل مفاتيح حياتها. ظاهرة العنوسة باتت خطرة وتنبئ بمشاكل كثيرة مقبلة إن لم يتم وضع خطها لتداركها في الدول العربية. فما مصير هذه الفتيات؟