نتفق جميعا أن الطلاق قد يقع بين الزوجين لوجود الشقاق والخلافات بينهما، ولأسباب عديدة امتلأت بها الكتب والأبحاث والبرامج. ولا خلاف أنه من رحمة الله بنا أن شرع الطلاق سداً ومنعاً لتفاقم الشقاق والمشاكل الأسرية. ولكن أن يحول البعض منا الطلاق ليكون سيفا على رقاب الصغار والمحضونين وعقابا لهم فهذا ما يرضاه شرع ولا دين. ما ذنب أبنائنا حين يقع الطلاق ان يعاقبوا بمنع النفقة او امتناع الأب عن رؤية أبنائه؟ أتدرون أيها الآباء حجم العبء النفسي الثقيل الذي يحمله الأبناء بين جنباتهم حين يبتعد الأبوين وينفصلا؟ اسمع لتلك الحكاية الواقعية التي مرت بنا بالأمس. دخلت الأم التي طلقت من 3 سنوات تحاول مداراة دموعها ونحيبها فلما سألتها عن سبب بكائها قالت الآتي: والله ياي سيدي لو اعلم ان الطلاق سيدمر ابنتي البالغة من العمر 4 سنوات لما طلقت. قلت لها : وماذا جرى لابنتك؟ قالت: والدها يعاندني بالمحاكم والصراحة انا أعانده كل منا يتفنن في رفع قضية تلو الأخرى على الآخر ليحصل كل منا مكسباً يغيظ به الآخر. ولكن بالنهاية ضربني طليقي في مقتل لما خسر القضية الأخيرة حيث انه امتنع من 6 أشهر عن رؤية أبنائنا الثلاثة ففوجئت بابني الكبير 10 سنوات يجري نحوي يوما ما وهو يقول : الحقي يا أمي أختي (س) تقطع شعرها شوية شوية .. هرعت لغرفة الصغيرة وإذا بي أراها تلف أصابعها على شعرها وتنزعه فجأة فيخرج بيدها خصلة خصلة فضربتها في هذه المرة وظننتها تلعب او تعبث لتلفت النظر, حتى أكتشفت بعد فترة ان شعر البنت يقل، فراقبتها فوجدتها فعلا تقطع شعرها عندما تجلس بمفردها بالغرفة. فدخلت عليها فجأة فخافت مني أن أكون قد رأيتها فقلت لها : لماذا تقطعين شعرك ؟ قالت:( أريد بابا عايزة أشوف بابا .. باب ليه يروح عند إخواتي (م) و(ت) بالبيت التاني وما يزورني). تقول ذلك الكلام وهي تحاول تقطع شعرها أمامي وانا أبكي عليها بحرقة وأمسك بيدها أمنعها وقد تقطع قلبي واقول لها : أنت ما تشعرين بألم وانت تقطعين شعرك ؟ قالت: (لا لا أشعر بألم تحبي أوريكي؟) وعاودت تنتف شعر رأسها ولا تتألم أو تحس بوجع . عرفت ان ابنتي أصيبت بحالة نفسية بسبب أنها لا ترى والدها من 6 أشهر . فما كان مني إلا اني طلبت من جدتها من ابيها أن تخبر والدها بما جرى، وبعد ضغط من والديه عليه حمل ابنتنا هذه لبيت جدتها ويومها حكت لي جدتها أن الصغيرة ظلت ملتصقة بأبيها دوناً عن كل الأطفال الذي يلعبون حول الأب من الزوجة الثانية والطليقة الأولى، ظلت تمسك بذراعيه الصغيرتين جسد وعنق والدها تتعلق فيه لا تريد اللعب مع الأطفال بل تريد تلتصق بأبيها فقط . وحضرت للبيت ذاك اليوم وكلها سعادة وفرحة ونامت تلك الليلة باطمئنان دون عبث أو تقطيع لشعرها وهي تقولي: (أنا شفت بابا أنا حضنت بابا وكل يوم هشوف بابا واحضنه وأحبه زي إخواتي التانيين) وأبكتني حتى نامت وقلت في نفسي يا ليتني لم أطلق ولا أن أرى ابنتي بهذه الحالة . وكل ما أخشاه يا سيدي أن يكرر والدها قطعه لرؤية الأبناء وخاصة تلك الصغيرة . الجواب: لقد بكى قلبي قبل عيني على ما وصلت إليه ابنتكما. وهذا والله ما نحذر منه ليل نهار كل الآباء والأمهات المقبلين على خطوة الطلاق. نقول لهم: فكروا ألف مرة في مصير ونفسية الأبناء. وإن كان لابد من وقوع الطلاق لمنع الشقاق فاجعلوه طلاق هادئا لا يحس بعواصفه ورياحه الأبناء الصغار ولا حتى الكبار . فأنتم إن اختلفتم كأزواج فاتفقوا كآباء وقوموا بنفس الدور الأول تجاه الأبناء من النفقة والرعاية والرؤية والمتابعة التربوية والدراسية. يقول صلى الله عليه وسلم : " إن من أعظم الإثم أن تضيع من تعول" وليس الضياع هنا ماديا فقط بل الضياع النفسي أخطر وأشد ، فما الذي اوصل طفلة في عمر الزهور ألا تحس بألم وهي تقطع شعرها ؟ إنها لم تحس بألم التقطيع لأن ألم فراق والدها كان أشد وألم عدم رؤيته 6 أشهر كان أعظم ففقدت الإحساس بألم تقطيع شعرها. أيها المقبلون على الطلاق أتريدون ان يصل أبناؤكم لتلك الحالات النفسية ؟ فكم من فتاة انحرفت بسبب آباء لا حياة عندهم لمن تنادي ولا سؤال ولا رؤية ولا رعاية! وكم من أبناء دخلوا مؤسسات الإصلاح العقابي بسبب إهمال الأبوين له بعد الطلاق وعدم احترام مشاعره أو السؤال عنه فخرج الولد ينتقم من المجتمع بانحرافه وتسلطه على الأخرين. والله إني أعرف آباءاً لم يسعوا لرؤية أبنائهم من 4 و5 سنوات ولا أنسى ذاك الأب الذي جاء لابنته بعد بلوغها 14 سنة وأراد التواصل معها يوما فقالت له : من انت ؟ أنت لست أبي. أبي هو ذاك الرجل الجالس هناك ( تشير على جدها من امها) هو الذي رباني وقامت من جوار والدها وتركته . من السبب في هذا العقوق ؟ السبب أننا عققنا الأبناء قبل ان يعقونا ودمرنا نفسياتهم فلما كبروا أرادوا أن يردوا الصاع لنا صاعين . البركة كل البركة في رعاية الصغار حتى وإن طلقت زوجتك وافترقتما.. هم أبناؤك لحمك ودمك .. ولا علاقة لهم بالطلاق.