منذ أن تزوجت عاليا وهي تأتي لزيارة أهلها في نهايات الأسبوع لتجلس مع والديها وترى عائلتها الأولى. ولكنها في كل زيارة تعاني الأمرين من شقيقتها التي تجعل كل وجبة غداء جحيما بتعليقاتها وتصرفاتها التي لا تخلو من اللؤم. فإن قالت عاليا إنها خرجت مع صديقاتها لتناول العشاء، ترد عليها أختها سارة: طبعا أن ترمين أبنك في البيت لأبيه وتخرجين للتسلية بلا أدنى شعور بالمسؤولية. وإن أخبرت عاليا والدتها بسر حول زواجها، قال لها سارة ألا تخجلين من وشوشة والدتنا هكذا؟ وحين طلب والد البنات أن يلتقط صورة حلوة لابنتيه، قامت سارة وتركت الغرفة وقالت: لا أريد أن أتصور مع أحد. في هذه اللحظة غضب الأب وطلب من سارة الاعتذار، ولكنها لم تقبل أن تعتذر أبدا، بل ضربت الباب خلفها بقوة. عن هذه الحادثة تبين عاليا: نظرت إلى أبي وقلت له: بابا لا أستطيع أن أظل أتحايل عليها لا أعرف لماذا تكرهني هكذا. مرت الأيام وتزوجت سارة وظلت مقاطعة لأختها، لا تحب الحديث معها ولا أن تزورها ولا تتصل بها على الإطلاق. مرت 14 سنة حتى أصيبت سارة بسرطان جعل عاليا تعودها وتحاول التخفيف عنها. ولم تقابلها سارة بالجفاء نفسه، ولم تكن كذلك طيبة لكنها قبلت التواصل وكانت هذه خطوة إيجابية. عدواة الدم في تاريخ كل العائلات أسرار مؤلمة، ولكن بعض العائلات تستطيع الاستمرار بالحب والتفاهم والتنازلات والتسامح. بينما تعجز بعض العائلات أو أحد أفرادها أن يكون متسامحا مع الآخرين، ويكون سببا في متاعب هذه العائلة. حتى تأتي لحظة يُجمع فيها أفراد العائلة أن هذا الفرد ميؤوس منه وأن مشاكلهم الأسرية ستختفي إن هم قاطعوه، أجل تأتي اللحظة المحزنة والقاصمة والتي لا ينفع معها دواء. وكثيرا ما تحدث القطيعة فعلا. لا يكون لدى هذا الفرد العدائي مستمسك واضح أو حادثة مؤلمة مثلا تسببت في عداوته لأخوته وأخواته،ـ بل إن لديه مشاعر مختلطة من الشعور بأنه ليس محبوبا مع رغبته في السيطرة على الآخرين وشعوره بالأحقية في أن يكون الأفضل والأول. إضافة إلى أنه لا يشعر بالانتماء لهذه العائلة. فهل ينبغي عندئذ الاستمرار في محاولة استقطابه إن كانت تؤذي الجميع؟ وإن كانت العائلات في العالم الغربي قد تلجأ لمعالجين ومستشارين أسريين، فإن حال العائلة العربية مختلف تماماً. فهي أولا ترفض الاعتراف بوجود هذا الخلل الذي قد لا يمكن ترميمه. وتتستر العائلة نفسها وحتى الأطراف المتعادية حول أسباب الخلاف الدفين والذي يسبب المقاطعة بين الأخوة لسنوات أحياناً. هناك سبب ولا بد أنه موجود في رأس كل واحد منهم، ولكن من يجروء على فتح النقاش حوله بكل صراحة؟ ثم من يقبل أن يعترف بخطأه ويعتذر؟ ثم من يقبل الاعتذار ويتسامح بحقه؟ ثلاثة عناصر لا يبدو أن تنفيذها سهلاً. ولكن فيها الحل الذي يؤجله الجميع، حتى تأتي لحظة الندم أو النهاية ولا يعود من الممكن تأخير الساعات إلى الخلف. علاقة محفوفة بالغيرة والتنافس وفي حين تكون علاقة الآباء بآبانئهم قوية فإن علاقة الأبناء ببعضهم أضعف بكثير لأنها محفوفة بالغيرة والتنافس والطمع وتعارض المصالح أحياناً، هل نتذكر قصة يوسف عليه السلام وأشقائه؟ يروي أحد الشباب الذي ذهب للدارسة في بريطانيا عند شقيقه، أنه وما أن دخل البيت قال له الشقيق: أريدك أن تعثر على بيت آخر خلال ثلاثة أيام لا أكثر. مرّ على هذه الحادثة سنوات، ويفسر الأخ الأصغر أسبابها شعور الشقيق الأكبر المستمر أن الأبوين يحبانه أكثر. ظل لديه شعور دفين وظهر حين كان الأخ قادراً على إظهاره. لم يتحدث الأخوان منذ ذلك اليوم. وقد مرّ عليه خمسة أعوام. كراهية الأخت لأنها أنثى سميرة مثلاً ظلت علاقتها مع شقيقها أثناء المراهقة مليئة بالعنف الجسدي واللفظي، كان يضربها ويشتمها ويتدخل في خصوصياتها ويراقب تحركاتها، لقد جعل حياتها جحيماً حقيقياً. ومنذ أن تزوجت وهي تحاول تفادي رؤيته قدر الإمكان. ولما انتقلت للعمل والحياة في الدوحة، انقطعت العلاقة معه تماماً. ولكنها تروي ما حدث حين زارت أهلها في الصيف ومكثت ثلاثة شهور لم يقم شقيقها ولو بزيارة واحدة للسلام عليها، بل إنه يوم عرف بمغادرتها إلى المطار أرسل لها رسالة قال فيها : إن لم تكوني قد غادرت بعد أتمنى أن تسقط طائرتك ونرتاح منك. تبكي سميرة بحرقة من هذه العبارة، ولا تفهم أبدا أسباب كل هذه الكراهية. هل لأنها أنثى؟ ماذا يقول علماء النفس والتربية؟ تقول الدراسات النفسية والتربوية إن العلاقة بين الإخوة يتم تحديد معالمها في العمر من 1- 9 أعوام. ويرى الباحثون أن المهمة الكبيرة تقع على الآباء لتحرير الأبناء من المشاعر السلبية أثناء اللعب مثلاً، وتدريبهم على اللعب معاً بإنصاف وتسامح. ومن أهم الأمور التي على الآباء والأمهات إدراكها هي تعليم الأبناء كيفية إدارة صراعاتهم الصغيرة من دون أن تخلف الأحقاد. لا يجب أبدا أن يترك أحدهم حزينا ومقهورا أو يتم تجاهله إلى اليوم التالي. لا بد أن يترك له المجال للحديث والتعبير عن أسباب غضبه من شقيقه ثم مناقشتها معه كشخص كبير واحترام عواطفه وعدم لومه وتقريعه عليها. والدراسات تشير أيضا أن الإخوة الأعداء هم غالباً نتيجة لسوء إدارة الأبوين لمهماتهما في هذا العمر، وبالتحديد في تعليم الأبناء كيف يختلفون ويخسرون ويكسبون من دون أن يكره الواحد الآخر. ولكن هذ لا يعني أن ليس هناك حالات لا يكون للآباء فيها ذنب، إذ تكون شخصية الابن فيها خلل ما. أنواع العداوات والشخصيات يقسم الطبيب النفسي الأميركي جوشوا كولمين- المتخصص في علاقات الإخوة - الشخصيات التي تتعادى إلى اثنتين "شخصية شديدة العدائية" وما يطلق عليها "شخصية جامع اللوم"، فإن كان الأول عدائي بطبعه وغيور وحسود وعنيف، فإن الثاني هو شخص يبحث عمّأ يلومك عليه، فقد تذكرك شقيقتك بحادثة قديمة لم تشكريها فيها على معروف أسدته لك، أو لم تسمحي لها باستعارة فستانك. إنها شخصية تجمع كل مايؤذيها من الآخرين مهما صغر وتجعل منه أمراً كبيراً ستلومك عليه مهما طال الزمن. ولكن مالعمل إذن؟ هل نفقد الأمل في المصالحة؟ للأسف في بعض الحالات، يبدو أمر المصالحة مستحيلاً. وإن حدثت فهي لا تدوم طويلاً. وأحياناً من الأفضل لكل الأطراف بدلاً من المقاطعة التامة الاحتفاظ بعلاقة فيها الحد الأدنى وغير المؤذي من التواصل. مثل الاتصال مرة كل اسبوع بالهاتف للاطمئنان عن الأحوال مهما كانت طريقة استقبال الآخر للاتصال. والمباركة في المناسبات والدعوة إليها حتى وإن لم يستجب الأخ أو الأخت للدعوة. لكن يظل السؤال الأهم هو من سيبدأ بهذه المبادرة ويحتمل ما قد يزعجه ويسيء إليه من كلام ولوم أو نفور وفظاظة؟ أحد من الطرفين ينغبي أن يبدأ، فهل ستكونين أنت أم تكون أنت؟ أم ترين أنه من الأفضل المقاطعة على فتح باب الماضي والخلافات؟