اكتشفت حب الطبيعة الصرفة منذ نعومة أظفارها، فهي الظل المحب لخطوات والدها المولع بالحدائق والخضرة، حتى اختصت بهذا الولع ليكون طريقها المزهر إلى العالمي، فهي العربية الوحيدة التي تشارك في "معرض تشيلسي الدولي للزهور"، الذي مثلت فيه أصالة الفنون العربية والإسلامية بتشكيل ممزوج بين المساحات الخضراء والمنحوتات بهيئة أقواس عربية. وفي حوار خاص لـ "أنا زهرة"، تعرفنا على جوانب أكثر عن هذا الفن والبيئة الطبيعية الإماراتية بمنظور فنانة الحدائق كاميليا بن زعل المدير الإبداعي لحدائق "البراري" في دبي. ما هو السر الكامن وراء إعجابك الشديد بالنباتات؟ ترتبط ذكريات طفولتي بصور أبي وهو يعتني بالحديقة التي كان مولعاً بأزهارها، فضلاً عن مشاعر السلام والسكينة التي تبعثها المساحات الخضراء. وخضت تجربة ممتعة وغنية في العمل لدى الحكومة طيلة أربع سنوات، ومع ذلك فقد شعرت بأنني أفتقد شيئاً ما. وعكف والدي في تلك الفترة على وضع الخطوط العريضة لمفهوم ’البراري‘التابعة لعائلتي، باعتباره من أشكال المشاتل النباتية التي أصبحت بمثابة مدرسة لتعليم البستنة، الأمر الذي دفعني للتفكير في تصميم الحدائق. وفي غضون شهر واحد فقط، انضممت إلى كلية ’إنشبالد‘ للتصميم من أجل دراسة تصميم الحدائق. وعدت بعدها إلى دبي مفعمة بالإلهام لابتكار مساحات مكشوفة وأنيقة تتسم بطابع جميل؛ وبدأت مسيرتي المهنية كمصممة حدائق مستقلة، فعملت على الفلل السكنية إلى أن أسست علامتي التجارية الخاصة لتصميم المساحات الخضراء ’سكند نيتشر‘ عام 2006، فأخذت أعمل على مشاريع تجارية كبيرة وأخرى سكنية فريدة من نوعها. ما هو رأيك بالتحول الجذري المميز الذي شهدته دولة الإمارات العربية المتحدة من منطقة صحراوية إلى فردوس حضري معاصر يضم ملايين أشجار النخيل والزهور؟ على الرغم من جمال الطبيعة الصحراوية، إلا أنه من المدهش أن نرى الاهتمام المتزايد الذي أولته دولة الإمارات العربية المتحدة على المساحات الخضراء من خلال تكرّم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بإطلاق مبادرات بيئية مميزة ساهمت بزراعة الصحراء والحفاظ على مجتمعات مستدامة. ونتيجة لذلك، بدأ القطاعان العام والخاص عملية تعزيز خضرة الصحراء في الأماكن العامة والخاصة. وعلى مر السنين، ركزت دولة الإمارات العربية المتحدة على أهمية المساحات الخضراء، وتجلى ذلك من خلال قيام ’معرض أبوظبي الدولي للزهور والحدائق‘ و’معرض بلدية دبي لمواد وتصاميم المساحات الخارجية‘، و’حديقة دبي المعجزة‘، و’مسابقة دبي الدولية للحدائق‘. وتعتزم أبوظبي أيضاً في هذا العام إطلاق الدورة الجديدة من معرضها الدولي للزهور والحدائق. وتكتسب هذه المعارض والمسابقات والحدائق شعبية واسعة فيما يزداد إدراك الناس لأهمية المساحات الخضراء والحدائق، وما تنطوي عليه من فوائد إيجابية كبيرة. وبالإضافة إلى ذلك، تتطلع المزيد من مشاريع التطوير العقاري اليوم إلى ابتكار مساحات خضراء خاصة بسكانها. ومن الناحية التاريخية، لطالما أدرك البدو أهمية الواحات وكونها عاملاً أساسياً للبقاء، ولذلك فإنه من الطبيعي أن تكون ثقافتنا غنية باحترام وإدراك ما تنطوي عليه الحديقة. ومن الرائع حقاً أن تعزز دولة الإمارات العربية المتحدة ارتباطها بالجذور. كيف حصلت على فرصة للمشاركة في ’معرض تشيلسي الدولي للزهور‘؟ هل يمكننا الاطلاع على مفهوم حديقتك؟ في العام الماضي، كنت من بين أعضاء لجنة التحكيم الخاصة بـ ’مسابقة دبي الدولية للحدائق‘، وحظيت باللقاء مع ديفيد دود من شركة ’ذا آوتدور روم‘ وجو تومبسون، مصمم المناظر الطبيعية والحدائق من المملكة المتحدة. ونجح كل من دود وتومبسون في بناء العديد من الحدائق المميزة والحائزة على جوائز. وباعتبارها أول زيارة لهما إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، قمت باصطحابهما للتعرف على شركة ’البراري‘ عن كثب. وبعد جولة معهما، اقترح عليّ الاثنان المشاركة في معرض تشيلسي – وهو ما قمت به فعلاً. وتعتبر مشاركتي في ’معرض تشيلسي الدولي للزهور‘ حلماً تحقق بالنسبة إلي، إلى جانب كل أولئك المصممين العالميين رفيعي المستوى. وأنا سعيدة حقاً بلقائهما لأنهما منحاني مزيداً من الثقة التي دفعتني للمشاركة في المعرض ضمن فئة حدائق العرض المميزة. وقمت بابتكار تصميم حديقة ’جمال الإسلام‘ المعاصرة المستوحاة من الطبيعة السمحة للدين الإسلامي التي تنبض بالجمال والإبداع؛ وكنت محظوظة بما فيه الكفاية لاختيار حديقتي للمشاركة. وأفتخر بكوني أول مصممة حدائق عربية تشارك في ’معرض تشيلسي الدولي للزهور‘ الذي تنظمه ’الجمعية الملكية للبستنة‘ (RHS)! ويتجلى موضوع حديقتي في ’جمال الإسلام‘؛ وتقوم على النمط الإسلامي التقليدي، ولكن تم تصميمها بزاوية 45 درجة في خطوة تبتعد عن تصميم الفناء التقليدي على شكل ربع دائرة. ويوظف التصميم مواد عصرية وكلاسيكية تم استحضارها من بلدان تأثرت بالحضارة العربية والإسلام. وقد اخترت النباتات التي تعكس انتشار الإسلام والثقافة العربية والازدهار الذي شهدته الإمبراطورية العربية في وقت مبكر عبر التجارة وعلى طول طريق التوابل. وستزخر حديقة ’جمال الإسلام‘ بنباتات التوابل التي تعكس هذا التراث العريق، بما في ذلك إكليل الجبل، والثوم، والرمان، والزيتون والهيل. لقد قمت بإضافة التماثيل ونوافير المياه إلى التصميم، فما هي النسبة المئوية للمساتك الجمالية التي توزعت بين النباتات الخضراء والعناصر الحجرية؟ كما هي الحال مع أي حديقة، فإن هنالك ضرورة لإحداث توازن جمالي بين المناظر الطبيعية الصلبة واللينة. وتميل حدائق العرض النموذجية في ’معرض تشيلسي الدولي للزهور‘ إلى هيمنة العنصر النباتي، الأمر الذي أضفى على حديقتي بعداً غير اعتيادي نظراً لنسبة المناظر الطبيعية الصلبة التي تزخر بها والتي تعكس توازناً جمالياً بديعاً مع النباتات، الأمر الذي ساهم في الارتقاء بمستوى التصميم النهائي للحديقة وتعزيز روعته. كم استغرق منك الاستعداد لتصميم الحديقة؟ تمثل حديقة ’جمال الإسلام‘ أكبر تحدٍّ واجهته، الأمر الذي دفعني وكامل الفريق إلى بذل أقصى جهد ممكن. ومنذ نوفمبر، أجريت عدة رحلات إلى هولندا وإسبانيا والمملكة المتحدة للحصول على النباتات، والتحقق من المواد، والاجتماع مع المتعهدين، والتحقق من الأجزاء مسبقة الصنع من حديقتي ليصار إلى تركيبها في وقت البناء. وستستمر عملية التخطيط على قدم وساق حتى بداية المعرض. وعلى الرغم من العمل الشاق، إلا أنني استمتعت وأحببت كل دقيقة، وتعلمت الكثير من الناس الرائعين الذين أعمل معهم والأشخاص الذين التقيت بهم طوال مسيرة العمل. ما هي العناصر التي تستخدمينها عند تصميم حديقة، وتتسم بقدرة على تحمل اختبارات الزمن؟ فضلاً عن جودة بناء الحديقة، تعتبر نوعية المواد المستخدمة في التصميم مسألة بالغة الأهمية في مثل هذه البيئة القاسية. ويسهم تحقيق المزيج الأمثل بين هذين العاملين في تعزيز قدرة الحديقة على تحمل اختبارات الزمن. ما هو نباتك أو زهرتك المفضلة؟ أفضل نخيل بسماركيا نوبيليس؛ إنها مهيبة بكل بساطة. والزهرة المفضلة بالنسبة إلي هي دورانتا الزرقاء. ما هي خططك المستقبلية في مسيرتك المهنية؟ أود إعادة ابتكار حديقة ’جمال الإسلام‘ التي شاركت بها في ’معرض تشيلسي الدولي للزهور‘ ليستمتع بها سكان المشاريع التي تبدعها شركة ’البراري‘. وأسعى لتشكيل تراث نباتي سواء من خلال تطوير مجتمع ’البراري‘ وحدائقه الجميلة، أو من خلال تعزيز سعادة الناس عبر تصميم حدائقهم الخاصة التي تمنحهم مزيداً من القدرة على الاستمتاع بالحياة.