مع تزايد الانشغالات الحياتية وتراجع مستوى الحركة، يميل معظم الأشخاص إلى إهمال عاداتهم الغذائية، ما لا يؤدّي إلى زيادة تجمع الدهون في منطقة الخصر فحسب، بل قد يتسبّب أيضاً في الإصابة بمرض السكّري الذي يخشاه كثيرون. سنقدّم لكم بداية تعريفاً بسيطاً لهذا المرض. يعتبر السكّري في الأساس مرضًا أيضياً يؤدي فيه عجز الجسم عن إفراز الإنسولين، أو إفرازه لكميات غير كافية منها، إلى ارتفاع مستويات الغلوكوز في الدم. وثمّة نوعان من مرض السكّري قد يصيبان الشخص: النوع الأول وهو عبارة عن داء مناعة ذاتية لا يفرز فيه البنكرياس سوى القليل من الإنسولين أو لا أنسولين على الإطلاق. والنوع الثاني الذي يصيب عادةً الأشخاص الذين يعانون من فرط الوزن مع تقدّمهم في السن. وللأسف، فإنّ أكثر من نصف مرضى السكّري لا يدركون إصابتهم بهذا المرض! في هذا السياق، تتحدّث الدكتورة سليمة شرّاب، المديرة العامة لمجموعة صيدليات "ابن سينا" المعروفة في دولة الإمارات العربية المتّحدة، عن واقع المرض في البلاد قائلة: "السكري مرض شائع ويُسمى على نحو مستحقّ، بالقاتل الصامت. في دولة الإمارات وحدها، تراوح نسبة مرضى السكري بين 20 و25 ?." والسكّري مرض مزمن لا يتوافر له أيّ علاج حالياً، غير أنّ أساليب السيطرة عليه على نحو فعّال كثيرة، وهي تسمح بالحفاظ على مستويات السكر في الدم في نطاق آمن ومحدّد! بالتالي، وبمساعدة الأطباء، يمكن لمرضى السكّري وضع خطط علاجية صحّية من خلال الأخذ في الاعتبار نظمهم الغذائية وممارستهم للرياضة وكمية الإنسولين التي يتناولونها. الجدير بالذكر أنّ نمط الحياة من العوامل الأساسية في تشخيص الإصابة بالسكّري. ومع أنّ الحديث عن العادات الغذائية الصحية لا يتوقّف أبداً، إلّا أنّها في الواقع إحدى أهمّ الخطوات في السيطرة على مرض السكري أو تجنّبه. لكن للأسف، ونظراً إلى الانشغالات الكثيرة التي تطغى على أنماط الحياة الحالية، فقد بات إعداد الأطعمة الصحية واعتماد جدول أعمال أكثر نشاطاً وحركة، من الأمور الثانوية، مع الإشارة إلى أنّ الافتقاد إلى مزيج مثالي من التمارين الرياضية والطعام المغذي يجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بالسكّري من النوع الثاني. أمّا بالنسبة إلى النوع الأول من المرض، فيعتبر العامل الوراثي أساسياً أيضاً! في هذا السياق، ونظرًا للأثر السلبي للجداول الزمنية المجهدة والمزدحمة على أنماط حياة الأشخاص، من غير المستغرب أن يستسلموا ببساطة لتناول أسهل المأكولات التي يمكنهم الحصول عليها وسط انشغالاتهم الكثيرة. ولكن لتغيير العادات غير الصحية، لا بدّ من الالتزام والاجتهاد من أجل الحفاظ على الصحة والرفاهية الشخصية، ولا سيّما بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري. أمّا أساس النظام الغذائي الجيّد والمتوازن فهو الاعتدال. لذا، يجب احتساب جميع الكربوهيدرات وتناولها باعتدال، كما يجب تجنّب المصطلحات التالية: السكريات البسيطة، والكربوهيدرات المعقدة، والكربوهيدرات سريعة المفعول. وفي محاولة لتبسيط مفهوم الأكل الصحي، تقول الدكتورة سليمة، "إنّ مرضى السكّري غير ملزمين بالامتناع الكامل عن بعض الأطعمة، ولكن عليهم أن يعملوا على اتباع نظام غذائي صحي متوازن من الخضروات والفواكه والبروتينات والكربوهيدرات (موزعة بالتساوي على مدار اليوم)، وأن يكونوا مستعدّين لضبط مستوى الانسولين في دمهم عند استمتاعهم بتناول أحد أصناف الأطعمة اللذيذة بين حين وآخر." ولا تقتصر ضرورة ممارسة الرياضة على مرضى السكّري وحدهم، بل إنّها تشمل الجميع! ولا بدّ لكلّ شخص من إدراج أحد أنواع النشاط البدني في يومه، لما للرياضة من فوائد! في حالات السكّري من النوع الأول، قد تقلّل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. لكن، وبما أنّ الجسم يستخدم مستويات أعلى من الغلوكوز أثناء ممارسة النشاط البدني، سيتعيّن على مرضى هذا النوع من السكّري أن يعدّلوا جرعات الإنسولين التي يتناولونها، وبالتالي فإنّ استشارة الطبيب هي الخيار الأمثل قبل البدء بأي نظام للتمارين الرياضية. كما أنّ ثمّة طرقًا بسيطة لدمج النشاط البدني في الحياة اليومية، على حدّ قول الدكتورة سليمة التي تنصح بالتالي: "حاول تغيير عادتك اليومية المتمثلة في الجلوس طوال اليوم، وابدأ باتباع عادات جديدة كالمشي عوضًا عن قيادة السيارة أو استقلال أي مركبة للوصول إلى الأماكن القريبة. إعمد كذلك إلى صعود الأدراج بدل استخدام المصاعد، وحاول تخصيص ما لا يقلّ عن نصف ساعة يوميًا للمشي". لا بدّ من الإشارة أيضًا إلى أنّ الإصابة بمرض السكّري قد ترتبط بالتاريخ الطبي للعائلة. خلافًا لبعض الصفات التي ترثها حتمًا إذا ما تواجدت في سلالتك، لا ينتقل السكّري دائمًا وفقًا لنمط وراثي بسيط. لكن من الواضح أنّ بعض الأشخاص يولدون أكثر عرضة للإصابة بالسكّري من غيرهم. وبحسب الجمعية الأمريكية للسكري ADA، إذا كنت رجلًا مصابًا بالسكري من النوع الأول، فإنّ احتمال إصابة طفلك بالسكّري هو 1 من 17. وإذا كنت امرأة مصابة بالسكري من النوع الأول، وولد طفلك قبل بلوغك سنّ الخامسة والعشرين، يكون خطر إصابته بالمرض 1 من 25؛ أمّا إذا ولد بعد بلوغك سنّ الخامسة والعشرين، فيكون خطر إصابته بالمرض 1 من 100. ومن جهة ثانية، يعتبر السكّري من النوع الثاني أكثر ارتباطًا بتاريخ العائلة والنسب، ولكنّه يعتمد أيضًا على العوامل البيئية إلى حد ما. بالإضافة إلى ذلك، تؤثّر عوامل نمط الحياة على الإصابة بهذا المرض، وتساهم في ذلك حالات كالسمنة العائلية. كما لا بدّ من الإشارة إلى أنّ التاريخ العائلي من مرض السكري من النوع الثاني لأحد الأشخاص قد يصعّب تحديد ما إذا كانت إصابته أو إصابتها بالمرض ناجمة عن عوامل مرتبطة بنمط الحياة أو عن الاستعداد الوراثي. والأرجح أنّها تُعزى إلى الإثنين. ومع أنّ لا سبيل للشفاء من مرض السكّري، إلّا أنّ إمكانية السيطرة عليه متاحة، والالتزام هو كلّ ما يلزم للتحكّم به. وتختم الدكتورة سليمة بالقول: "إنّ تحقيق التوازن بين الطعام الذي تتناوله والدواء (إذا وُصف) سيساعدك على التحكّم بوزنك والحفاظ على تركيز الغلوكوز في دمك ضمن المستويات الصحية. ومن شأن ذلك المساهمة في تجنّب المضاعفات أو تأخير حدوثها. كما سيسرّك أن تعلم أنّ العديد من مرضى السكري يعيشون حياة طويلة وصحية ". باتّباعك العلاج الصحيح وإدخالك التغييرات الموصى بها إلى نمط حياتك، ستتمكّن من تجنّب الإصابة بهذا المرض أو تأخيره. تحكّم بالمرض ولا تدعه يتحكّم بك!