تقدم "أنا زهرة" لقرائها بعض المقاطع من رواية "الأميرة وبنت الريح" للكاتبة النيوزلندية ستايسي غريغ والمنقول إلى العربية بقلم الصحافية والمترجمة اللبنانية رنا حايك..الرواية مقتبسة عن طفولة الأميرة هيا بنت الحسين زوجة نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. توقع الكاتبة بحضور المترجمة، النسخة العربية من رواية "الأميرة وبنت الريح" في الثاني من مايو (أيار) المقبل في معرض أبو ظبي للكتاب. 1 ظلّت هَيا تدور وتتقلّب تحت البطّانيّة وهي ممسكة بـ«دول». كانت تعجز عن النوم. علا صوت الريح في الخارج. راحت أشجار النخيل تهتزّ وكأنّها دمى من قماش. في عتمة غرفتها، تشبّثت هَيا بدول. دوّى الرعد بقوّة شديدة، فكادت تنادي غرايس ثمّ سمعت أصواتًا آتية من الطابق السفليّ. لقد عادوا! تشقْلَبَت بسرعة وهي تُمسك دول من ذراعها، ونطّت من السرير. نزلت على الدرج فرأت والدها. لقد عاد، ومعه آخرون. كان يتحدّث مع رجل يرتدي زيًّا رسميًّا، زيّ الطاقم الملكي. كان الرجل مَحنيَّ الرأس، يسلّمه غرضًا صغيرًا يلمع. «بابا!» اندَفَعَتْ هَيا كالسهم فالتَفَتَ الملك ليرى الأميرة الصغيرة في ثياب النوم أمامه، وهي تحمل دمية قبّعتها زهريّة. نظرت إلى وجهه. كان يبكي. صدمها المشهد. فهي لم تَرَهُ يبكي من قبل. لم يحاول أن يخفي دموعه حتّى، بل تركها تنساب على خدّيه من دون أن يمسحها. «هَيا!» حملها بابا، فشعرت بذراعيه القويّتين، الآمنتين، تحيطان بها. «لا بأس...» احتضنَته بقوّة ودفنت رأسها في صدره. عندها، لمحت ذلك الغرض في يده اليمنى، الغرض الصغير واللمّاع الذي أعطاه إيّاه الرجل. الآن رأته بوضوح: إنّه ما تبقّى من ساعة يد ماما. 2 «أميرة هَيا، هلا مرّرْتِ لي شوكة المحار، من فضلك؟» أطلقت هَيا تنهيدة ونظرت إلى الطاولة. أمامها، مُدَّ طقم المائدة الملكيّ، بصحونه التي نُقش عليها التاج الملكيّ الأردنيّ والأحرف الأولى من إسم الملك، وإلى جانبها صفٌّ طويل من لوازم المائدة الفضّية الأنيقة. كان كلّ شيء مُعدًّا وكأنّه عشاء رسميّ، سوى أنّه لم يكن في الغرفة أيّ طعام، ولا أيّ ضيوف... فقط هَيا وفرانسيس. نظرت الأميرة إلى الشّوَك الستّ أمامها. فكّرت قليلًا ثمّ تناولت الأنحَف بينها، وكانت لها سِنّان مُدبّبتان. «هذه شوكة بزّاق»، قالت فرانسيس بنبرة يائسة. «شوكة المحار هي تلك التي على يسارها. لديها ثلاث أسنان، هل ترين؟ تستخدمين السنّ العريضة لفصل المحار عن صدفته، ثمّ تلك الناعمة لانتزاع المحار وحمله إلى فمك...» «لكنّي لا أحبّ المحار»، قالت هَيا. أجابت فرانسيس: «هذا خارج عن الموضوع. ماذا لو دُعيتِ إلى عشاء رسميّ يُقدَّم فيه المحار ولم تعرفي أيّ شوكة تستخدمين؟» «هذا لن يطرح مشكلة لأنّني لن أتناول المحار أصلًا.» شعرت هَيا بأنّ شيئًا ما يفوت فرانسيس هنا. «والدتك، الملكة عليا، كانت في منتهى النبل وتصرّفاتها وسلوكها في منتهى الأناقة.» شغلت فرانسيس نفسها بإعادة ترتيب المائدة. «ولكن يبدو أنّ البنت ليست دائمًا سرّ أمّها.» سَوّت فرانسيس مفرش المائدة بتكلّف، ثمّ شَبَكَتْ يديها وصوّبت نحو الأميرة الصغيرة نظرة في منتهى الجدّيّة. «والآن أخبريني، أيّ نوع من الشوَك تستخدمين لتناول الفراولة؟» 3 كان الضيوف يتناولون عشاءهم، وقد تناهَتْ أصواتهم وطرطقة الملاعق والشُّوَك على الأطباق إلى مسمعها. أدخلت هَيا رأسها في فجوة المصعد. ما الذي يستغرق كلّ هذا الوقت؟ ثمّ سمعت ضجّة، فحدّقت إلى الظلام. دِج! دِج! دِج! إنّه علي يخبط على سقف المصعد. أقفلت هَيا الباب الجرّار وكبست على الزرّ، فأخذ المصعد يتحرّك من جديد، لكنّه كان أكثر بطئًا بعد. أمّا الحبال، فكانت تعنّ وتئنّ على البكرة. ثمّ، سمعت رجّة قويّة وتوقّف المصعد تمامًا. هذا غير مُطَمئِن. كبست هَيا الزرّ مجدّدًا، ثمّ لمرّة ثالثة ثمّ رابعة، لكن لم يحدث شيء. فتحت هَيا الباب ونظرت داخل الفجوة، إلى أسفل. كان من المفترض أن تدور البكرة وأن تُصدر صريرًا، لتعيد الصندوق إليها مجدّدًا، لكنّها لم تفعل. «علي؟»، صرخت عبر الفجوة. كان علي قد بدأ يقلق. «هَيا، كفى سخافة! اسحبيه مجدّدًا! هَيا!» «علي!»، ردّت عليه من الفجوة. «انتظر! لقد علق! سأخرجك من هنا! إبقَ حيث أنت!» لاحظت، وهي تركض نزولًا نحو الطابق السفليّ، كم كانت كلماتها الأخيرة بلا معنى. إلى أين قد يذهب علي؟ فهو عالقٌ داخل مصعد الخدمة، ومحشورٌ في الفجوة الضيّقة بين طابقَي المنزل. شعرت هَيا بقلبها يكاد يقفز من بين أضلعها. حبال البكرة لم تبدُ متينة. ماذا لو انقطعت؟ عليها أن تجدَ زهير فورًا. كانت قد أوشكت على الوصول إلى المطبخ حين سمعت طرطقة كعب فظيعة خلفها مباشرة في الرواق. «سموّك؟» يا إلهي! إنها فرانسيس! 4 حين وصلت هَيا إلى المربط، رأت سايسًا مع المهرة، ينظّف التبن الرطب ويضعه في عربة يد. لم يكن يفوقها سنًّا بكثير. بنيته نحيفة، شعره أسود وعيناه رماديّتان. حين رأى هَيا تطلّ من خلف باب الإسطبل، اتّسعت عيناه وكأنّه طريدة لمحت للتوّ صقرًا. «مرحبا، أنا هَيا.» بدا الولد مصدومًا. ارتبكَ وهو يحاول أن ينحنيَ لتحيّتها. «أعرف، سموّكِ.» «هل استقرّت بري وكلّ شيء تمام؟» «بري؟»، قال الولد وقد بدا مرعوبًا. «هذه هي الكنية التي أطلقها عليها»، قالت هَيا وهي تنظر نحو المهرة خلفه. «آه نعم، بنت الريح تأقلمت في المكان، سموّك.» «ومنذ متى أنت تعمل هنا؟»، سألت هَيا الولد. «منذ شهر»، قال، «أقصد، منذ شهر سموّك». «كم عمرك؟» «أربعة عشر عامًا، سموّك.» «وما اسمك؟» «زين، سموّك.» «حسنًا، زين، دعنا نتّفق على شيء. لستَ مضطرًّا لقول سموّك في كلّ جملة.» «نعم، سموّك. أقصد لا، سموّك. أقصد نعم!» كان زين مرتبكًا إلى درجة أنّه شعر بحملٍ ينزاح عنه عند دخول سانتي الذي أتى لاصطحاب بري إلى حلبة التدريب.   المزيد الأميرة هيا..في عشق الفروسية والخيل