تقدم كهوف ويتومو فرصة ذهبية لعشاق المغامرة للاستمتاع بأجواء مثيرة لا مثيل لها، حيث يضيء سقف هذه الكهوف، التي تقع في الجزيرة الشمالية لنيوزيلندا، ديدان صغيرة ينبعث منها الضوء الأزرق والأخضر، كما تضم المشاهد البديعة تكوينات صخرية تأسر القلوب وتسحر الألباب.

وبعد رحلة مثيرة إلى أعماق كهف رواكوري، حيث يسير السياح في الظلام الدامس لمدة ساعتين في رحلة شاقة ومجهدة  وتنتابهم مشاعر الخوف والهلع، تظهر أمام السياح فجأة أضواء متلألئة في سقف الكهف، عندئذ ينسى السياح متاعب الرحلة ويغرقون في متعة مشاهدة النجوم الصغيرة التي لا تعد ولا تحصى.

ويعتبر هذا الكهف المثير أحد كهوف ويتومو، التي تجتذب حوالي 450 ألف زائر سنوياً من جميع أنحاء العالم، حيث إنها تعتبر بمثابة متاهة من تجاويف الكهوف والمجاري والأنهار، والتي تمتد أسفل التلال الخضراء في نيوزيلندا على بعد حوالي 200 كيلومتر جنوب أوكلاند.

هوابط وصواعد

وقد قامت المجاري المائية تحت الأرض عبر آلاف السنين بغسل هذه الأنفاق وتجاويف الحجر الجيري، التي تزدان بأعداد لا حصر لها من الترسيبات الكلسية في سقف الكهوف تعرف باسم "الهوابط" أو ترسيبات جيرية في أرض الكهوف والمغارات يُطلق عليها اسم "الصواعد".

ويتمكن السياح من استكشاف معظم هذه المناظر الطبيعية الخلابة أثناء جولة تنزه سيراً على الأقدام أو من خلال ركوب أحد القوارب، وكان المرشد السياحي ماثيو أتكينز يسير في ذلك اليوم بصحبة تسعة من السياح المغامرين في متاهة من الممرات تحت الأرض، حتى وصلوا إلى عمق 65 متراً بعد رحلة من السير امتدت لثلاث ساعات.

وقد عانى السياح طوال الرحلة من الطرق الزلقة؛ حيث كانوا يسيرون إلى أسفل خطوة خطوة على الصخور الرطبة، إلى أن وصلوا إلى داخل الكهف، وكان من الصعب على السياح الحفاظ على توازنهم طوال السير؛ نظراً لحملهم إطارات سباحة كبيرة تحت أذرعهم، بالإضافة إلى أنه يتعين على كل سائح منهم ارتداء خوذة كي تحمي رأسه من الاصطدام بالصخور الصلبة، وكذلك ملابس الغوص للحماية من برودة النهر.

وعند عبور النهر انزلق السياح الواحد تلو الآخر في الماء، وانتفخت الإطارات خلف ظهورهم وبدا كل منهم وكأنه خنفساء تسبح فوق الماء، وكان هناك مجموعة من السياح تقوم بالتجديف بالأيدي والأرجل حتى لا تتعثر ولا تصطدم بالعوائق الصخرية التي تبرز من الماء في أماكن متفرقة. وكانت المصابيح المثبتة في الخوذة ترسل أشعتها المخروطية على الجدران الرطبة، وتمهلت المجموعة السياحية أمام التكوينات الصخرية التي يصل ارتفاعها إلى واحد متر للاستمتاع بمناظرها البديعة.

وبعد ذلك انطلقت الرحلة بسرعة؛ حيث سحب تيار متدفق إطارات السباحة إلى عمق الكهف، حيث أصبحت الممرات أكثر ضيقاً، وأصبح السقف أكثر اقتراباً من رؤوس السياح. وفي تلك الأثناء كان المرشد السياحي ماثيو أتكينز يقوم بانحناءات إلى الخلف، حيث رجع بالجزء العلوي من جسمه إلى الوراء، وأصبح ظهره ملاصقاً للإطارات، ثم قام بمناورة في فتحة ضيقة.

وفي نهاية النفق اتسع المكان مرة أخرى، وهنا تنفس السياح الصعداء مجدداً لفترة قصيرة، وساروا بضع خطوات على أحد التلال الجافة، وبعد ذلك سمعوا صوت تساقط المياه من أحد الشلالات؛ حيث تنحدر المياه من هذا الشلال إلى عمق ثلاثة أمتار في الظلام.

وأوضح المرشد السياحي للمجموعة المرافقة أنه يتعين عليهم النزول الآن، وقد تم تدريب السياح من قبل وفي وضح النهار على القفز من الرصيف إلى بحيرة جليدية صغيرة، ونادي ماثيو أتكينز على السياح قائلاً: "لا تفكر في الأمر، اقفز".

مجرات كونية

وواصل السياح رحلتهم إلى أعماق الكهف؛ حيث يرتفع السقف عالياً فوق رؤوسهم، وطلب المرشد السياح من المجموعة إطفاء المصابيح، وعندئذ شاهد السياح الأضواء البديعة المنبعثة من آلاف ديدان التوهج، وهي عبارة عن مخلوقات صغيرة تشع ضوءً أزرق وأخضر.

وحولت الديدان المضيئة سقف الكهف إلى منظر المجرات الكونية، وأزالت هذه المشاهد البديعة أثار الإجهاد والخوف وحتى الظلام من ذاكرة السياح.