تبلغ سارة وليد من العمر عشرة أعوام، طفلة حيوية ومرحة كمن هم في سنها، لكنها للأسف مازالت لا تعرف القراءة ولا الكتابة. إذ أن سارة ولدت مصابة بالوحمة الوعائية وهي حالة مرضية نادرة، فبينما تغطي  الجهة اليسار من وجهها وحمة وردية، هناك أيضا وحمة داخلية مماثلة على الدماغ تسبب لها المتاعب وتضعها أمام تحديات عقلية وجسدية مختلفة.

"الوحمة الداخلية تسبب لها تشنجات وصداع مستمر، ابنتي تعيش على المسكنات، والمسكنات الخفيفة لم تعد تنفع أصبحنا نعطيها جرعات أقوى لكي تستطيع الاحتمال"، هذا ماتقوله سوزان والدة سارة، اللبنانية المقيمة في الإمارات، لموقع "أنا زهرة".

وتضيف سوزان "حين ولدت سارة لم أكن أعرف ماذا أفعل، فليس لدي تجربة من قبل، لكني قرأت عن المرض وتعلمت مع الوقت كيف أتعامل مع صغيرتي. في البداية كان الأمر صعبا جدا، لكني فيما بعد بدأت أعتني بها كطفلة عادية اشتري لها الفساتين الجميلة، وأتجاهل هذه الوحمة التي كانت غامقة جدا في البداية، وأتجاهل نظرات الناس لها أينما ذهبنا. كنت خائفة أن تكبر ابنتي بلا ثقة في نفسها، فأضيف لمشاطلها مشكلة جديدة، وكان الحل الوحيد أن أربيها كأنها طفلة عادية وألا أشعرها أنها مختلفة عن الآخرين".

تعتقد سارة أن الجميع ينظر إليها لأنها حلوة، هكذا أجابتها والدتها على تساؤلها البريء "ماما لماذا ينظر الناس إليّ طيلة الوقت؟". 

لكن سارة تواجه مشاكل أكبر وأخطر من نظرات المجتمع، فهاهي قد دخلت عامها العاشر ومازالت لا تعرف القراءة ولا الكتابة ولا الحساب ولم تكوّن شيئا من المعارف التي تناسب الأطفال في مثل سنها. ورغم أن والدتها بحثت كثيرا عن مدرسة مناسبة، لكن خيبة الأمل كانت تصادفها في كل مرة. فقد جربت ووضعتها في مدرسة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة من أصحاب الحالات الأكثر خطورة من سارة، مثل المصابين بمتلازمة داون، ولكن سارة سرعان ماأصيبت بالإحباط والكآبة، فهي أيضا لا تنتمي لهذه الفئة ولا تستطيع التفاعل معها وقد تتراجع حالتها بدلا من أن تتحسن، مما اضطر والدتها لإخراجها من المدرسة.

أما في المدراس العادية فلا يوجد متخصصون قادرون على التعامل مع قدراتها، فتأثير الوحمة الداخلية في الجزء اليسار من الدماغ تجعل الجزء اليمين من الجسد ضعيفا، اليد غير قادرة على الكتابة والعين غير قادرة على التركيز. وهذا يتطلب جهدا خاصا ووقتا أكبر من المعلمة المسؤولة عن سارة، كأن تساعدها في الفهم الكتابة والنقل عن اللوح والنسخ وغيرها من الوظائف.

ولكن أيعقل أن ليس ثمة مدراس تعتني بحالة مثل حالة سارة؟ 

بالتأكيد يوجد ولكن سوزان تتابع قائلة "إنها مدراس مكلفة جدا. زوجي يعمل أستاذا في المدرسة ولا نستطيع تحمل تكاليف هذه المدارس المتخصصة، حتى مع وجود خصومات ساعدتنا بالحصول عليها طبيبة الجلد د. جيهان عبد القادر وهي التي ساعدت من خلال علاجها لسارة على تفتيح لون الوحمة من الغامق إلى الوردي".

حتى مع وجود الخصم تبلغ كلفة القسط في مدرسة متخصصة بحالات مثل حالة سارة 30 ألف درهما. وهي كلفة عالية جدا على عائلة سارة ولا تستطيع تكبدها.

ولسارة شقيق يبلغ من العمر 13 عاما، يتمتع بصحة جيدة، ولكن مرض أخته الصغيرة يأخذ معظم وقت وعناية والدته التي تبين "أعرف أني آخذ من حقه ووقته لأعطي سارة، ولكن مالعمل ليس لدي بديل أو حل آخر، هو الآن يتضايق أحيانا، ولكن حين يكبر قليلا سيتفهم أكثر".

تنصح أم سارة كل الأمهات الجديدات اللواتي يواجهن حالة من حالات ذوي الاحتياجات الخاصة أن يرضين بالقدر أولا وبحكم الله. ثم أن يتعاملن مع الموضوع بدراسة وجدية فيقرأن عن المرض ويضطلعن على احتمالات تطوره، ويستشرن الأطباء، وأن يلتقين مع أمهات لديهن حالات مماثلة ليستفدن من تجارب بعضهن السابقة، ويسمعن نصائح مفيدة من أمهات مررن بالتجربة نفسها. والأهم من كل هذا ألا يخجلن من أطفالهن إن كانوا مصابين بمشكلة عقلية أو جسدية، على العكس تماما لا بد أن يساعدوهم في هذه الحالة على الاندماج في المجتمع والثقة بالنفس وحب الحياة والأمل.

سوزان ليست والدة سارة فقط إنها أيضا أم للأمل الذي تزرعه في سارة وعائلتها وفينا.

كل عام وأم سارة بخير