القراء الأعزاء،

 تعلمون أن الزواج ما شُرع إلا ليقوم على المودة والرحمة وأن يحافظ كل شريك حياة على مشاعر الأخر ويحترمها. وأن يوازن الزوجين في الحقوق والواجبات بينهما وبين الأولاد، بمعنى ألآ يُهمل أحد الزوجين الأخر بسبب رعاية الأبناء وألا يُهمل الأبناء بسبب حق أحد الزوجين على الأخر. وهذه القاعدة الأسرية الإجتماعية مع الأسف الشديد تجاهلها بعض الأزواج اليوم ومضت السنون دون علاج لها، لتأتي الزوجة ( حنان) تطلب الطلاق بعد 20 سنة من الزواج وهي تقول : كان من المفروض أن أُطلق من 20 سنة لكنه كان يرفض.

 فقلت لها : حقه أن يرفض لأن بينكما ثلاثة أولاد. فكان ردها : هذه هي الكارثة فزوجي الذي أمامكم لا يُقصر أبدا في حق الأبناء. علمهم أحسن تعليم ومنهم من يدرس الآن بالخارج. ولا يهون عليه دمعة تنزل من عين أحدهم وطلباتهم مجابة وحنانه عليهم واضحا جليا.

قلت لها : إذن أين المشكلة ؟ قالت الزوجة : على قدر ما هو حنون يا سيدي على بنتينا وولدنا على قدر قسوته معي رغم عدم تقصيري معه. فراتبي منذ 20 عاما في يده يذهب لحسابه مباشرة وجعلت نفسي طوع أمره أريد رضاه بعد رضى ربي. لكنه أهانني طوال تلك السنين وكسرني بسبه لي وبضربه لي. كان يضربني كأني حيوان أمامه لم أشتكِ عليه يوما خوفا على مستقبل أولادي، لكنه تمادى حرمني حتى من العلاقة الزوجية والمعاشرة من 10 سنوات. تفنن في تعذيبي وصبرت وصبرت من أجل أولادي. وكنت أطلب الطلاق لكنه يرفض ويرفض. وبعد هذه السن لم أعد أتحمل إهاناته وسبه لي. نفذ صبري يا سيدي تماما.

وأجهشت الزوجة في بكاء عميق ، مما جعلني أتوجه بسؤال للزوج : ما رأيك فيما قالته أم أولادك فكان رده مفاجئة لي أنا شخصيا قال :( أنا لم أتزوج لأطلق و ليس في قاموس عائلتنا شيء اسمه طلاق ) قلت له : لماذا هل تحبها؟ أقصد ما سر تمسكك بها وهي مصرة على الطلاق؟ قال : عندنا بنات على وش زواج وما زال الابن الأكبر بالجامعة لذلك مستحيل أطلقها الناس تقول ايه؟ قلت له: هذا كل ما يهمك ؟ قال : نعم .

   أقرأتم وسمعتم أعزائي سبب عدم طلاقه لها؟ ... لم يقل لن أطلقها  لأنها حبيبة عمري أو شريكة حياتي أو لا غني لي عنها. بالعكس انتقدها بالجلسة الحوارية بكلام مرسل حيث قال :(هي ما بتسمع الكلام) وكان سبب رفضه لطلاقها باختصار وبكل وضوح : أن الزواج عنده مظهر اجتماعي (تابلوه) وفقط. تموت الزوجة كمدا وحسرة وتنتحر مشاعرها لا شأن له بذلك. المهم مشاعر وأحاسيس الأولاد. تُحرم الزوجة من كل حقوقها المادية والنفسية لا يهم. المهم هم الأولاد. تضرب الزوجة وتسب عادي جدا. المهم أن الأولاد بخير ...ومع الأسف بعض المتزوجين يعيشون اليوم بهذه العقلية وهذه الأفكار الخاطئة والنتيجة خراب البيت ووقوع الطلاق ولو بعد حين .

  قلت للزوج بنهاية الجلسة : زوجتك لها حق عليك مثل أولادك تماما ولن يحترم الأبناء  أبا لم يقدر أمهم، بدليل أنهم جميعا لما كبروا طلبوا منها أن تطلب الطلاق حسب إفادتها .

  أيها الزوج، من صبرت معك لا تستحق إلا المكافأة والتقدير وليس الضرب والإهانة. صدقني إن ما وقع منك جريمة كبرى في حقها كزوجة وكأم. ولم يكن صبرها ضعفا إنما خوفا على مستقبل الأبناء، ثم أين حقها الشرعي عليك؟ أليس تركك لها طوال تلك السنين فتنة لها ولك ؟ ولو كانت مثلما ذكرت لا تسمع الكلام لماذا أبقيت عليها إذن طوال 20 سنة ؟ ... من الواضح أنها ما قصرت معك ولديك فرصة أخيرة للاعتذار لها قولا وفعلا عما سلف منك هذا حقها عليك أمام الشرع والقانون فليس الزواج واجهة اجتماعية إنما هو ميثاق مودة ورحمة قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم.

و من أندر الأحاديث النبوية الصحيحة في الوصية بالنساء ، والرفق بهن ، والصبر عليهن ، بل والترغيب في عدم طلاقهن ، والبقاء معهن حتى الممات  ما رواه الطبراني في ( المعجم الكبير )، وابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) بإسناد صحيح من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام في الناس ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال: ( إن الله يوصيكم بالنساء خيراً ، إن الله يوصيكم بالنساء خيراً ، فإنهن أمهاتكم ، وبناتكم ، وخالاتكم).