من يتفقد إمارة موناكو من فوق قلعة «أنطوان» التي تمثل أعلى نقطة بشبه جزيرة موناكو ، يتمتع ببانوراما غاية في الروعة والجمال ، حيث تقع عينه مباشرة على ميناء "هرقل" الذي يعج بأفخم اليخوت في العالم ، وعلى الجانب المقابل يتبدى له «مسرح الأميرة غريس» الكائن بطريق جون كينيدي الذي يزدان بالأشجار وارفة الظلال على الجانبين وكذلك الحديقة اليابانية بالنظر في اتجاه إيطاليا. وتذكر كل بقعة في الشريط الساحلي الممتد بطول 5ر3 كيلومتر بنجمة السينما الأمريكية الفاتنة غريس كيلي التي وقع أمير موناكو رينيه الثالث في غرامها وتزوجها عام 1956 لتتحول من عرش هوليوود إلى عرش إمارة موناكو الصغيرة التي تقع على الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. وإذا كان قد قُدِرَ لها أن تعيش إلى يومنا هذا ، كانت ستحتفل بعيد ميلادها الثمانين في الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. جدير بالذكر أن الإمارة قامت بإنشاء مسار خاص لتتبع آثار الأميرة تلبية لرغبة السياح الذين يتوافدون على الإمارة لهذا الغرض.

 وبعد رحيل الأمير رينيه الثالث عام 2005 قام نجله الأمير ألبرت الثاني بافتتاح أرشيف الأسرة المالكة. ومن هذا المنطلق جاءت فكرة إنشاء مسار يقطع الإمارة طولا وعرضا لتتبع آثار العائلة المالكة ليؤرخ لحياة بدأت كحلم جميل وانتهت نهاية مأساوية حينما لقت الأميرة غريس كيلي مصرعها إثر حادث أليم عام 1982. ويتكون «مسار الأميرة غريس» من 25 محطة تتيح للسياح اكتشاف معالم هذه الإمارة الفريدة من نوعها في نفس الوقت وليس فقط تتبع آثار الأميرة الجميلة.

 وعن المدة التي يستغرقها تفقد مسار الأميرة يقول ديفيد مالافال المرشد السياحي المتخصص في «مسار الأميرة غريس»: "يستغرق الأمر نصف يوم أو يوما كاملا." ويضيف مالافال البالغ من العمر 35 عاما أنه بعد نهاية الجولة يتكون لدى السياح انطباع بأنهم يعرفون الأميرة الفاتنة غريس معرفة شخصية والتي كانت قد أرسلت مشروب مصنوع من شجر «القيقب» من الولايات المتحدة لتحضير الحلوى التي تشتهر بها احتفالات عيد الميلاد المجيد.

 وتبدأ الجولة التي تستغرق نصف يوم من ميدان "بلاس دارم" الذي يقع عند سفح صخرة موناكو الشهيرة – تضم بين أركانها المدينة القديمة ومبنى البرلمان – والتي كان يوجد بها قديما محطة موناكو الرئيسية. ومن هنا كانت نجمة السينما الأمريكية تسافر إلى "نيتسا" لتنطلق منها إلى باريس وأمريكا. وكانت غريس كيلي التي لعبت دور البطولة في رائعة المخرج  العالمي ألفريد هيتشكوك «النافذة الخلفية» تشتهر بعشقها للسفر والترحال. وفي الصورة التي تحملها اللافتة الموجودة بهذه المحطة يشع حنان الأمومة من غريس كيلي ، حيث تلوح لعامة الشعب في دفء يبوح بحنانها وعطفها أثناء سفرها إلى باريس في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 1959 بينما تحمل ابنها ألبرت على ذراعها الذي كان عمره وقتها عاما والذي يتولى مقاليد الحكم حاليا منذ عام 2005.

 وفيما مضى كان القطار يتوقف أسفل شرفات الكازينوهات التي تعج بها موناكو ، أما اليوم فينطلق القطار من المحطة ذات التصميم العصري والتي تقع أعلى كنيسة "سانت ديفوت". وتحول ميدان "بلاس دارم" إلى سوق شعبية. ومن هنا يتجه المسار نحو شارع رصيف الميناء «أنطوان الأول

» مرورا بالطريق الساحلي «شيمان دي بيشير» وصولا إلى أطلال حصن أنطوان الذي أصبح اليوم مسرحا مكشوفا.

 ومن أشهر سفن الركاب التي حطت رحالها بميناء "هرقل" سفينة «USS    Constitiution»  القادمة من نيويورك والتي رست بالميناء يوم الثاني عشر من نيسان/أبريل عام 1956 في تمام الساعة العاشرة صباحا. جدير بالذكر أن السفينة كانت تحمل على متنها غريس كيلي التي توجهت إلي الإمارة لتبدأ مرحلة جديدة من حياتها بزواجها من أمير هذه الإمارة الصغيرة التي كانت تشتهر آنذاك بكازينوهاتها فقط. وعلى الرغم من سوء الأحوال الجوية كان الآلاف بانتظار وصول نجمة السينما الأمريكية. وبعد وصول السفينة اصطحب الأمير رينيه الثالث عروسه الجميلة على متن يخته الفاخر « Deo Juvante II.». وتم الزفاف الأسطوري بعد 7 أيام فقط من وصول العروس بسلام إلى موطن زوجها.

وانطلاقا من حصن أنطوان يواصل السياح طريقهم إلى متحف علوم البحار والمحيطات الذي يقع على قمة صخرة موناكو المنحدرة والناتئة من الماء. وبدلا من أن يسلك طريق سانت مارتن الذي يزدان بالأشجار وارفة الظلال على الجانبين والذي يؤدي إلى كاتدرائية

 «Norte Dame de l'Immaculée Conception » ينعطف ديفيد مالافال المرشد السياحي إلى الشارع الجانبي «ريال فرونزي» والذي يؤدي إلى المنطقة التي يوجد بها متحف كنيسة «Visitation de la Vierge Marie» الذي يضم بين جنباته أعمال روبين وزورباران وريبيرا. وبجوار المتحف مباشرة يوجد مبنى عريق يعود تاريخه إلى عام 1663. وترجع شهرة هذا المبنى إلى أنه كان مبنى المدرسة التي ذهب إليها الأمير ألبرت في طفولته.

ومن أهم المحطات بـ «مسار الأميرة غريس» الكاتدرائية التي دفنت فيها الأميرة بعدما لقت مصرعها إثر حادث أليم عام 1982.