تزخر أندونيسيا بالعديد من الكنوز الطبيعية، ومنها إنسان الغاب الذي يمكن للسياح مشاهدته في المحمية الطبيعية تانجونج بوتنج التي تقع جنوب كاليمانتان في الجزء الأندونيسي من جزيرة بورنيو. وليس هناك أعداء لهذه الحيوانات سوى الإنسان نفسه؛ حيث ينتزع الأثرياء صغار إنسان الغاب من أحضان أمهاتهم لتربيتها في منازلهم، كما أن عمليات تدمير الغابات المستمرة تهدد وجود إنسان الغاب. ويُقابل السياح في هذه المحمية جو بوو الذي يعشق الحياة في الغابة ومع القرود، وهذا هو السبب الحقيقي وراء قدومه إلى كاليمانتان. وأكد جو بوو أن منطقة بورنيو، وكذلك جزيرة سومطرة الأندونيسية، تعتبران المكانان الوحيدان اللذان يعيش فيهما إنسان الغاب بحرية تامة وسط الطبيعة البرية. وفي الصباح والظهيرة والمساء ينادي المرشد السياحي بوو بصوت مدوٍ على القرود قائلاً: "الأمراء والأميرات، وقت الطعام!"، وهو برفقة السياح على القارب التقليدي الذي يُعرف باسم كلوتوك. ويستمتع السياح بمشاهدة الأدغال والطبيعة البرية على الجانب الأيسر والأيمن أثناء جولتهم السياحية، وتتكرر كثيراً مناظر أشجار النخيل الوارفة والطيور الملونة وكذلك القرود وهي تقفز ما بين أغصان الأشجار. ولا يقتصر الأمر على حيوان إنسان الغاب وهو يلهو على قمم الأشجار على ضفاف نهر سونغاي سيكونير، ولكن يتمكن السياح في القارب من مشاهدة قرود الململة أيضاً، التي تمتاز بالأنف الطويل ذي اللون الأحمر المائل إلى البني. ولا يُسمح للزوار باستكشاف المحمية الطبيعية إلا برفقة مرشد سياحي وفي القوارب التقليدية فقط. وانطلقت أولى الرحلات السياحية بقوارب كلوتوك في الغابة المطيرة في منطقة تانجونج هارابان، والتي تعتبر أحد المخيمات في المحمية الطبيعية. ويمر طريق الرحلة على مجموعة من البيوت الخشبية الخضراء على ضفة النهر، ثم يسير السياح على درب ضيق للغاية حتى يصلوا إلى الأدغال. جوندول اليتيم وفي تلك اللحظة يظهر جوندول في طريق السياح، وهو عبارة عن ذكر إنسان الغاب يبلغ من العمر 22 ربيعاً. وأوضح جو بوو قائلاً: "لقد لقى آباء جوندول مصرعهما في خضم صراعهما مع الإنسان". ولذلك فإن جوندول نشأ يتيماً في هذا المكان، وهو نفس المصير الذي عانى منه الكثير من القرود في هذه المحمية الطبيعية. وبعد عدة دقائق من الزمجرة سمح إنسان الغاب جوندول للسياح بالعبور، حيث سلكوا أحد الدروب الترابية الصغيرة إلى داخل الغابة، وكان المرشد السياحي يُشير إلى الحفر الموجودة في الأرض بين الحين والآخر أثناء السير في الغابة. وأضاف أن هذه الحفر تعيش فيها العناكب الكبيرة التي تعرف باسم الرتيلاء. ويصدر عن هذه العناكب أزيز بشدة صوت يشبه صوت طائرة هليكوبتر تقترب من المكان. وفجأة سمع السياح صراخ اثنين من القردة يتصارعان فوق قمم الأشجار، وكان نتيجة ذلك أن أحدهم سقط على الأرض. وعندئذ طلب المرشد السياحي مساعدة الإنقاذ، وبعد عدة دقائق من الكشف على إنسان الغاب اتضح أن عملية السقوط لم تخلف ورائها سوى ظهور ندبة صغيرة. ويخيم الصمت والهدوء على مكان التغذية، حيث تقترب الأم وصغيرها، جالا وجالو، بحذر من حفنة من الموز. كما تظهر الآنسة تشيلسي، التي تبلغ من العمر 8 أعوام، عالقة بين النباتات المتسلقة وعلى مسافة آمنة من السياح. وأوضح جوجو بوروانتو، الذي يعمل كمنظم رحلات مستقل في كاليمانتان، أن الكثير من الحيوانات الموجودة في محمية تانجونج الطبيعية كانت في الأصل حيوانات أليفة في المنازل. بقاء مهدد وهناك مشكلتان أساسيتان تهددان بقاء القرود في محمية تانجونج بوتنج الطبيعية، أولها أن أطفال إنسان الغاب تعتبر من الحيوانات الأليفة المحببة في بيوت الأثرياء في جنوب شرق آسيا. وغالباً ما تنتهي عملية فصل صغار القرود عن أمهاتهم بوفاة الصغار. وتمثل مزارع زيت النخيل المشكلة الثانية التي تهدد وجود إنسان الغاب، حيث تمتد هذه المزارع على أجزاء شاسعة في جزيرة بورنيو، ولم يعد هناك وجود للأدغال والغابات الكثيفة، التي كانت تعمل على خفض مستوى التهديد الذي تتعرض له هذه الحيوانات. وأضاف بوروانتو أن الحكومة الأندونيسية تبذل مجهودات كبيرة للحفاظ على القرود في المحمية الطبيعية، وفي بعض الأحيان يذهب موظفو المخيمات إلى إحدى القرى، إذا علموا بوجود إنسان الغاب بها. ويعمل الحراس في محمية تانجونج بوتنج على إعادة القرود إلى الحياة البرية الطبيعية، ويتكلف هذا الأمر مبالغ طائلة تبلغ حوالي 350 دولاراً أمريكياً لكل قرد شهرياً، ويقضي إنسان الغاب في المتوسط ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام في المحمية الطبيعية. وعندما اختفت الأم وصغيرها، جالا وجالو، في الغابة، قام المرشد السياحي جو بوو باصطحاب مجموعته السياحية وعاد إلى القارب كلوتوك، وبعد ذلك أبحر لمسافة قصيرة باتجاه منبع النهر إلى أن وصل إلى مخيم ليكي. ويقع مخيم ليكي في منطقة شديدة التلوث، ويعتبر هذا المخيم بمثابة نقطة ترحيب بإنسان الغاب، وأوضح المرشد السياحي جو بوو أن هذا المخيم يزخر بأكثر من 700 من صغار القرود، ولا يزال هناك قرود كثيرة تتذكر أوقات التغذية، فإذا قام الحارس بوضع ثمار الموز فإنها ترجع لالتقاطها في أعلب الأحيان. ويزخر هذا المكان بأعداد كبيرة من القرود، بحيث يمل السياح من كثرة التقاط الصور لها. ويتشكك الخبراء من أن السياح والسكان المحليين سيتمكنون من الاستمتاع بمشاهدة إنسان الغاب البورنيوي في المستقبل، نظراً لأن عمليات تدمير الغابات لا تزال مستمرة وهو ما يؤدي إلى فقدان هذه القرود لبيئاتها الطبيعية.