يُعد فصل الخريف فرصة ذهبية لزيارة روما؛ حيث تكشف العاصمة الإيطالية خلال هذا الوقت من العام عن وجهها الهادئ؛ نظراً لقلة الأفواج السياحية الوافدة إليها، ما يتيح للسياح الذين يقصدونها خلال هذه الفترة الاستئثار بجمال حاضرها وعبق تاريخها.

وفي منطقة الدرج الأسباني الشهيرة يجلس بائع الورد متجهم الوجه أمام متجره لعدم تمكنه من بيع أية باقة ورد حتى الآن لقلة أعداد السياح. وتزدحم منطقة الدرج الأسباني بأعداد غفيرة من السياح خلال ذروة الموسم السياحي في الصيف، لكن في فصل الخريف يبدو الوضع مختلفاً، حيث يتمكن الزوار من اختيار أماكن جلوسهم بحرية على الدرج الأسباني، مع معايشة الأجواء التاريخية للمدينة المقدسة دون أية مشاحنات ومضايقات.

وتتلألأ المياه بنافورة ديللا باركاتشا تحت أشعة الشمس الدافئة، وترسل شمس الخريف أشعتها الذهبية الصفراء على المدرج الأسباني وكنيسة سانتا ترينيتا دي مونتي. ويخلو المسرح أمام الدرج الأسباني ولا يوجد به سوى أشخاص يجلسون على دراجاتهم النارية ويمزحون مع الإيطاليين الذي يمرون من أمامهم.

وتشهد ذروة الموسم السياحي تدفق الأفواج السياحية على العاصمة الإيطالية ليتجولوا عبر الأزقة والحارات الضيقة وتبدو روما مثل سيمفونية كبيرة، حيث تمتاز وتيرة العمل والحياة بها بالسرعة والضجيج. ولكن خلال فصل الخريف يتغير الحال ويتباطأ إيقاع المدينة ويسود الهدوء والسكينة كما هو الحال الآن.

جمال واسترخاء

وأوضح المرشد السياحي رولاند كارل :"يعتبر فصل الخريف من الأوقات المثالية للقيام بجولة في العاصمة الإيطالية"، وبدءاً من شهر تشرين أول/أكتوبر من كل عام تكتسي المدينة بوجه مختلف تماماً، حيث يتنشر الهدوء والسكينة في ربوع المدينة المقدسة. ويضيف رولاند كارل :"تصبح روما أكثر جمالاً وتبعث على المزيد من الاسترخاء".

وعندما سأله أحد السياح عما يفعله إذا هطلت الأمطار على روما خلال فصل الخريف، عندئذ سكت المرشد السياحي لبعض الوقت وأجابه قائلاً :"توجه خلال الليل إلى منطقة الدرج الأسباني، واستمتع بالأضواء الباهرة التي تشع في السماء عند إطلاق الألعاب النارية".

ويصطحب رولاند كارل المجموعة السياحية التي يرافقها إلى مكان يتيح لهم إطلالة جيدة على المنتدى الروماني. وأوضح :"عادةً لا يصل السائح هنا إلى السور في ذروة الموسم السياحي"، لكن اليوم يتمكن كل سائح من أن يجد لنفسه مكاناً مميزاً في الصف الأول، ويستمتع بإطلالة رائعة على قوس النصر للإمبراطور سيبتيموس سيفيروس في المدخل الغربي للميدان. وكان هذا الميدان في العصور القديمة مركزاً للحياة الثقافية والسياسية في المدينة، ولكن في الوقت الراهن تنتشر بعض المجموعات السياحية المتفرقة على الطرقات.

وواصل السياح جولتهم بعد ذلك وصعدوا إلى تل الكابيتول، الذي يعتبر أصغر تل من التلال السبعة الموجودة بالمدينة، وفي السابق كان يوجد في هذا المكان المعبد الرئيسي في روما. وقد تحول هذا المكان حالياً إلى مرعى للماعز الجبلي.

وأكد المرشد السياحي أن أعداد الماعز في السابق كانت أقل من عددها اليوم. ويجلس مجموعة من طلاب الفنون التشكيلية على أحد قصور عصر النهضة الثلاثة التي تحدد ساحة الكابيتول، في محاولة لرسم تمثال ماركوس أوريليوس في منتصف الساحة.

حتى تلاميذ البابا يكونون أقل تزاحماً خلال الخريف في العاصمة المقدسة؛ لأن الفاتيكان يشهد خلال فصل الصيف زيارة عشرات الآلاف من السياح، وبالفعل تكون هذه الأوقات بمثابة "مأساة". أمام اليوم فإن طابور الزوار أمام كنيسة القديس بطرس يعتبر قصير نسبياً، كما تنتشر أعداد قليلة من السياح بطول طريق فيا ديلا كونتشيليازونا، ويجلسون على المقاعد على الرصيف وفي الحانات من أجل الاسترخاء لبعض الوقت. ويحرص السياح على الاسترخاء بشكل لا إرادي اعتقاداً منهم بأن الآلام بدأت تدب في أقدامهم ببطء بسبب الجولة السياحية.

ولاحظ السياح وجود عشرات من القطط في منطقة لارغو أرجينتيا، التي شهدت في السابق اغتيال الإمبراطور. وتتجول هذه القطط على الصخور الدافئة تحت أشعة الشمس الساطعة وتمرح في العشب بين الأطلال. وأوضح المرشد السياحي أن هذه القطط تلقى رعاية فائقة هنا، حيث يتوافر إسعاف للقطط تابع للجامعة، وذلك من أجل تقديم الرعاية والعناية الطبية للقطط المريضة.

كسر الهدوء

وبعد فترة من الهدوء والسكينة شاع الصخب والضجيج عندما مر السياح بمنطقة كامبو دي فيوري، حيث تعالت أصوات الباعة للإعلان عن بضاعتهم، كما سادت عمليات المساومة ما بين العملاء والبائعين. وفي هذا الوقت من السنة يحين وقت حصاد المزروعات، حيث تنتشر ثمار القرع الصفراء والبرتقالية بمختلف الأشكال والأحجام على الطاولات وتتدلى من السقف ثمار الفلفل بلونه الأحمر الناري.

ويزخر هذا المكان بجميع أصناف وأنواع الأطعمة التي يسيل لها اللعاب؛ مثل نبات الكمأ والأسماك والزيوت والتوابل، وبالطبع الباستا بجميع أنواعها وألوانها. وإلى جانب ذلك يشاهد السياح أصناف متنوعة من المربي، ويعشق الإيطاليون الحلويات كثيراً. ويؤكد المرشد السياحي أن هذه الأصناف تمتاز بجودة فاخرة ولكنها ليست باهظة التكلفة، حيث يشتري سكان العاصمة الإيطالية من هذا السوق منذ العصور الوسطى، على عكس المناطق التي تكون مخصصة للسياح فقط.

وعندما عاد السياح إلى الدرج الأسباني وجدوا بائع الزهور لا يزال يستمتع بفترة راحة إجبارية، حيث قام بإشعال سيجارة وجلس بجوار السياح على الدرج الحجري، وهو يقول لنفسه ما أروع هذا الهدوء والسكينة على الرغم من انخفاض مبيعاته.