تكتسي مدينة شفشاون الصغيرة النائية، عاصمة الإقليم الذي يحمل نفس الاسم في شمال المغرب والذي يكتسي بالخضرة. ومَن يبحث عن الهدوء والاستجمام لبضعة أيام خلال رحلته السياحية في المغرب، فسيجد ضالته هنا في مدينة شفشاون الجبلية التي تُعد بمثابة واحة للاسترخاء؛ حيث تحيط بها الخضرة من كل الجهات وتضم بين أركانها أزقة تكتسي باللون الأزرق وتزخر بالتراث العربي وتصطبغ بالطابع الأندلسي. الانطلاق من فاس وتنطلق يومياً حافلات عديدة من مدينة فاس، معقل السياحة المغربية، صوب مدينة شفشاون. وخلال الرحلة التي تستغرق ثلاث ساعات تمر الحافلات في بادى الأمر عبر الطبيعة الرملية المحيطة بمدينة فاس، ولكنها سرعان ما تنتقل إلى طبيعة تكسوها الخضرة، حيث تقع أعين السياح عبر نوافذ الحافلات على حقول بطيخ شاسعة وأشجار زيتون لا حصر لها. وبعد اجتياز الكثير من المنعطفات عبر سلسلة جبال الريف تتبدى أخيراً مدينة شفشاون كواحة للهدوء والاستجمام بارتفاع نحو 600 متر على سفح جبلين. وهنا يسود هواءً منعشاً، وكذلك في المدينة القديمة. وفي ساحة «وطاء الحمام» يجلس رجال عواجيز يرتدون الجلابيب التقليدية في هدوء تحت الظلال الوارفة ويراقبون حركة المقاهي والمطاعم. وبينما يقدم النادلون للزبائن أكلة «الطجين» المغربية الشهيرة - عبارة عن لحم مُبهَر مطهو مع خضروات في إناء خزفي - تتجول القطط الصغيرة بين المقاعد والطاولات أملاً في أن يلقي لها زبائن المطعم لقمة لذيذة. المسجد الأعظم ويهيمن جامع «المسجد الأعظم» على ساحة المدينة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 35 ألف نسمة. وفي المساء تبدو المدينة في غاية الجمال والروعة. وبينما ينادي المؤذن للصلاة من مئذنة الجامع ويتدفق المؤمنون إلى المسجد، تتلألأ الجبال القريبة من المسجد بضوء ذهبي. ومن يرغب في البقاء سيجد حتى وقت متأخر من الليل سريراً في أحد الفنادق الكثيرة بالمدينة نظير مقابل مادي زهيد؛ حيث لا يزيد سعر الغرفة المزدوجة النظيفة التي يزدان سقفها على 150 درهماً (ما يوازي 50ر18 دولار أمريكي). وتضم جميع الفنادق تقريباً شرفة بالسقف تتيح للنزلاء إطلالة بانورامية على الطبيعة المحيطة. ومَن يرغب، يمكنه أن يبيت هنا، في الصيف على الأقل، نظير مقابل مادي صغير ليستمتع بنسمات الهواء العليل، وبمنظر السماء المرصعة بالنجوم الذي لا يُقدر بثمن. وطاء الحمام ولتناول الإفطار يُفضل أن يتجه السائح إلى أحد المقاهي المنتشرة في ساحة «وطاء الحمام». وبعد ذلك يجدر بالسائح القيام بجولة عبر الأزقة التي تتعرج صعوداً بانحدار. وبفعل أشعة شمس الصباح الساقطة عليها تسطع الأسوار بلون سماوي غير حقيقي تقريباً. ويعتقد سكان المدينة أن اللون الأزرق يدرأ الحسد. وفي المدينة القديمة يجد السياح الذين يرغبون في القيام بجولة تسوق كل ما تشتهيه الأنفس، وتتنوع البضائع والسلع التي يبيعها التجار في محالهم الصغيرة ما بين التوابل والحُلي يدوية الصنع والأقمشة التي يتم تصنيعها في السراديب التي تقع أسفل المحال. الجبال والشلالات ومَن يغادر المدينة القديمة باتجاه الشمال، فسرعان ما يصل إلى الجبال. وبعد نصف ساعة من السير على الأقدام على طريق صاعد ومنحدر تتبدى للسائح إطلالة واسعة المدى على مدينة شفشاون. وتتلألأ المدينة القديمة المحاطة بسور قديم باللونين الأبيض والأزرق، في حين يزهو الوادي المحيط باللون الأخضر. ومن الممكن أيضاً الخروج في جولات تنزه إلى منابع الماء والشلالات التي تقع بالقرب من المدينة. وفي الليلة الأخيرة بشرفة السقف يلقي السائح نظرة أخيرة على الأزقة الزرقاء ويحتسي كوباً من الشاي ويستنشق الهواء العليل مرة أخرى قبل أن يودع المدينة. وبعد ذلك تعود الحافلات السياحية أدراجها عبر الجبال، فتتوارى الطبيعة التي تكتسي بالخضرة في الخلف وتظهر مجدداً الطبيعة الصحراوية التي يطغي عليها اللونان الأصفر والبني الترابي. وبعد وقت قصير تحط الحافلات الرحال في مدينة فاس.