هنالك علاقة وثيقة بين أهل الخليج والنخلة، تلك الشجرة التي تجود لهم بكل أنواع الخيرات، ومنه سعف النخيل أو "الخوص" الذي أستغلته أيادي أمهات العشائر العربية الأصيلة لتصوغ منه الكثير من الحاجيات التي تجمع أُسرها على مائدة واحدة يكون بساطها من سعف النخيل أو "الجريد"، أو ليكون مروحة تعينهم على حر أيام الصيف القاسي. ولكونه مادة طبيعية متوفرة في بيئتهم وكذلك بسبب خفة ومرونة هذه المادة الطبيعية فقد تفننت النساء بخيوط حيك منها الكثير من الحاجيات اليومية مثل أدوات المائدة البسيطة التي كانت تفترش الأرض، أو أدوات التنظيف مثل المكنسة أو بساط للجلوس والنوم عليه.

وفي جولة في معرض أبوظبي للصيد والفروسية، أفترشت إحدى السيدات الإمارتيات أدواتها، التي ذاتها التي كانت تستخدمها وادلتها وجدتها على مدى عقود، لتحيك أم وائل الشحي مجموعة من الكؤوس والـ"المغطى" ودلة وفناجينها التي كانت قطعة فنية مزينة للصينية المصنوعة بالكامل بيديها ومن مادة "الخوص".

وعن هذه الصينية حدثتني أم وائل عن تاريخها قائلة: "أنا تعلمت حياكة الخوص من أمي عندما كنت بعمر 10 سنوات، واليوم أنا أصنع منها الكثير، مثل الكاسات والأواني بمختلف الأحجام التي نستعملها لوضع التمر والمكسرات وكذلك للمناسبات حين تلد إحدى نساء العائلة، نقوم بوضع بعض السكاكر والحلويات فيها، أو أن يضع فيها بعض الهدايا البسيطة المصنوعة من الطين وتهدى للسيدات والأطفال بحسب عاداتنا." ويتم الحصول على الخوص من سعف النخيل بعد أن يجردونه من عيدانه ويتم تجفيف الأوراق في الشمس.

وتتنوع ألوان خيوط الخوص، التي لا يتعدى طولها عن 60 سم، باللون البيج الطبيعي، بالإضافة إلى 7 ألوان أخرى يتم صبغه بها وهي: البنفسجي، الأسود، الأحمر، الأزرق، الأخضر، الأحمر، الأصفر. وتشرح أم وائل طريقة صبغ "الخوص" بالقول: "كانت أمهاتنا قديماً تشتري الصبغ الذي كان على شكل عصي صغيرة ملونة يتم إستيرادها من الهند، فتحلّها بالماء وتغلي بها أوراق "الخوص"، ومن ثم تجففها بعيداً عن الشمس كي لا تتأثر الصبغة بالشمس ويتغير لونها، أما الآن فنحن نشتري هذه الملونات من دبي بشكل سائل ونلون الـ"الخوص" ونجففه بنفس الطريقة."

أم وائل أشتركت في الكثير من المعارض التراثية التي تقام مع المهرجانات والتي هيئة أبوظبي للسياحة والتراث، وكذلك بعض الهيئات التراثية في دولة الإمارات، وهي تعلم السيدات والزائرات من السواح  الأجانب لتلك المارض والمهرجانات كيفية حياكة "الخوص" بشكل حي، والكثير منهن يتعلمن ذلك بسهولة، وكما سافرت إلى الكثير من البلدان الأجنبية لتمثل الثقافة التراثية لدولتها، مثل مهرجان الجنادرية في السعودية وكذلك إلى ألمانيا والصين وغيرها.

ومن المدهش أيضاً معرفة أن أم وائل عملت قائدة لورشة عمل فنية، خلال معرض أبوظبي آرت العام الماضي، لتعليم 12 سيدة أجنبية كيفية حياكة الخوص، وهن بدورهن عملن على تقديم عمل فني على شكل "المغطى"- بمعنى غطاء الأكل، الذي أصبح ثرية ترائية تُزين جاليري منارة السعديات في جزيرة السعديات بأبوظبي.

المزيد:

“الطعام التعبيري!” يُبقي الطعام متحركاً على طبقك وربما في فمك

موائد رمضان حول العالم

أبراج السلطة تُكبد “بيتزا هت” خسائر كبيرة في الصين